أمواج ناعمة د. ياسر محجوب الحسين يكتب من لندن : *عدوى ليبرالية*
أمواج ناعمة
د. ياسر محجوب الحسين يكتب من لندن :
*عدوى ليبرالية*
لفت نظري مقال الأخ الدكتور ياسر يوسف، وزير الإعلام الأسبق وأمين الإعلام بحزب المؤتمر الوطني، المنشور في موقع الجزيرة نت بعنوان: “نحن والسودان.. كيف فشلنا وأفشلناه؟” وهو مقال قيّم يتضمن تشخيصًا دقيقًا للأزمة السودانية.
ما لفت نظري أكثر، بل وأدهشني، أن الكاتب جمع في المقال العديد من الآراء والأفكار ذات الطابع (الليبرالي)، وطاف بنا في رحلة تحليلية استشهد خلالها بشخصيات لا علاقة لها بالمشروع الحضاري للإنقاذ، بل إن بعضها كان معارضًا شرسًا له.
على سبيل المثال، تناول الكاتب رأي سيمون بوليفار، الرئيس الفنزويلي السابق، الذي ناقش تخلف دول أميركا اللاتينية. كما أشار إلى أفكار الفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2024، دارون عاصم أوغلو وجيمس روبنسون، واستعرض رؤى أبوالقاسم حاج حمد حول تخلف الدول، الذي يعزوه إلى عاملين رئيسيين: التركيب الجغرافي السياسي، والتركيب الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، تطرق الكاتب إلى رأي الدكتور منصور خالد، الذي يرى أن النخب السودانية تعاني من داء التعصب، إذ “لا يفسح ذلك أية مساحة للقاء مع الآخر المختلف، بل يدفع صاحب الرأي الذي لا يقبل الجدل إلى قمع الآخر”. كما تناول رأي أحمد خير المحامي، الذي أشار إلى أن الأرستقراطية الدينية والثقافية كانت من العوامل المؤثرة في بناء النظم الوطنية بعد الاستقلال، الأمر الذي “عرّض جهازنا الحكومي لأسوأ أنواع الأمراض الاجتماعية، وفتح الباب أمام الدكتاتورية البرلمانية”.
وخلص الدكتور ياسر إلى أن النخبة السياسية بجميع توجهاتها تحتاج إلى التخلص من أفكارها الشمولية ومشاريعها الأيديولوجية، مشيرًا إلى أن هذه الثقافة باتت من مخلفات الزمن القديم، وتجاوزها العالم منذ فترة طويلة. وذكر أن بعض النخب تعتمد على نموذج “المؤسسات السياسية الاستحواذية”، التي تتركز فيها السلطة السياسية بيد نخبة محدودة، غالبًا ما تكون منغلقة على أيديولوجيا ضيقة أو قائمة على أسس جهوية وقبلية. وفي كلتا الحالتين، تنشغل هذه النخب بوضع قيود وضوابط تحد من حرية المجتمع وحركته.
وأشار الكاتب إلى أن واحدة من أسباب الفشل تكمن في اعتماد التجارب السابقة على نموذج “التحول من الأسفل”، حيث تحاول الجماهير فرض إرادتها على مؤسسات الدولة عبر الثورات. ورأى أن هذا الخيار يحمل عواقب غير مضمونة، ونتائجه باتت واضحة في التجارب السودانية الفاشلة التي انتهت بالتنازع بين مؤسسات الدولة والقوى الراغبة في التغيير. وأضاف أن هذه القوى غالبًا ما تفتقر إلى تصور عملي قابل للتطبيق، أو إلى روح استيعابية تمكنها من إطلاق حوار وطني حقيقي يفضي إلى حلول واقعية وفعّالة، تكمل عملية الانتقال وتحقيق أهدافها النهائية.
في رأيي أن أفكار المقال تمثل نهجًا شبابيًا جديدًا، يحمل نوعًا من التفكير الإبداعي خارج الصندوق، وربما يكون محاولة (تصحيحية) أو إعادة نظر في التجربة السابقة بخيرها وشرها. ويجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأفكار لم تكن لتحظى بفسحة في الفضاء العام إلا بعد سقوط الإنقاذ، إذ كانت أي محاولة مشابهة في ظل النظام السابق تواجه بالرفض القاطع، بل أحيانًا بالقمع الشديد، حيث كان يُتهم أصحابها بالخيانة أو الردة، ويتم التنكيل بهم أو نفيهم من الساحة السياسية.
https://shorturl.at/FodTR