أحمد سعد أحمد يكتب : *فولكر بيرتس وهندسة الصراعات تحليل إستراتيجي لدوره في السودان مقارنة بتجاربه السابقة*
أحمد سعد أحمد يكتب :
*فولكر بيرتس وهندسة الصراعات تحليل إستراتيجي لدوره في السودان مقارنة بتجاربه السابقة*
يُعد فولكر بيرتس شخصية مثيرة للجدل منذ دخوله في المشهد السياسي السوداني خاصة وغير مرغوب فيه بعد تفاقم الأزمة التي تزامنت مع وجوده كمبعوث أممي وهندسة الإتفاق الإطاري. ولكن بالنظر إلى مسيرته المهنية وخبراته السابقة في إدارة الأزمات يمكن فهم نهجه من خلال الإطار الاستراتيجي الذي إعتمده في التعامل مع السودان ومقارنته بالدول التي عمل فيها سابقًا
فهل كانت الأزمة السودانية استثناءً أم جزءًا من نمط عام في تعامله مع الدول الهشة سياسيًا؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من إستصحاب الخلفية المهنية لفولكر بيرتس من أكاديمي إلى دبلوماسي فولكر بيرتس أكاديمي ألماني متخصص في العلوم السياسية وكان مديرًا لمعهد الدراسات الأمنية والدولية في برلين قبل عمله في السودان كان له دور في ملفات سياسية حساسة أهمها كان مبعوثاً لسوريا (2015-2018) و عمل مستشارًا للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حيث شارك في مفاوضات جنيف بشأن الأزمة السورية.
وأيضا كان مبعوثاً للعراق ولبنان كان لهو دور استشاري في قضايا الشرق الأوسط حيث ركّز على الديناميكيات السياسية والطائفية.
ومبعوثاً الأمم المتحدة في السودان (2021-2023)تولى منصب رئيس بعثة “يونيتامس” في فترة انتقالية حيث فشلت جهوده في تحقيق الاستقرار وهذا ليس مجرد صدفة بل شهد السودان خلال فترته أسوأ أزمة سياسية وعسكرية منذ عقود.
المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها بيرتس من خلال تحليل مقالاته وأبحاثه يتضح أن بيرتس ينتمي إلى مدرسة الواقعية الليبرالية التي تجمع بين نهج الواقعية السياسية في التعامل مع القوى الفاعلة وبين إستخدام أدوات الدبلوماسية متعددة الأطراف لتوجيه الصراعات نحو نتائج محددة وتشمل إستراتيجيات هذه المدرسة إدارة المشاكل بدلاً من حلها أي العمل على إبقاء الإشكاليات والصراع ضمن مستوى معين من التوتر دون السماح بإنهيار شامل أو تحقيق حل جذري.
إعادة تشكيل موازين القوى الداخلية عبر دعم تيارات سياسية على حساب أخرى أو فرض حلول تفاوضية لا تعكس التوازن الحقيقي داخل الدولة.
إستخدام الهيئات الدولية كأدوات ضغط من خلال تقارير الأمم المتحدة والعقوبات وفرض أجندات دولية تحت غطاء ” الدعم التحول الديمقراطي .
تحليل دور فولكر بيرتس في السودان وفقًا لاستراتيجياته السابقة مقارنة السودان بسوريا والعراق هل هناك نمط متكرر؟
إذا قارنا أسلوب فولكر بيرتس في السودان بسوريا والعراق نجد قواسم مشتركة في النهج الذي إتبعه في سوريا دعمت الأمم المتحدة بقيادة دي ميستورا وبمشاركة بيرتس محادثات جنيف التي لم تؤدِّ إلى إنهاء النزاع بل ساعدت في إعادة تشكيل المشهد السياسي بطريقة جعلت بعض الأطراف أكثر نفوذًا على حساب أخرى.
في العراق ركزت استراتيجيته على إستيعاب القوى السياسية المختلفة في النظام السياسي الجديد ولكن بطريقة سمحت ببقاء نفوذ جهات معينة أكثر من غيرها.
في السودان إتبع بيرتس نفس النهج حيث حاول فرض تسوية سياسية (الإتفاق الإطاري) تدعم بعض القوى مثل قحط دون مراعاة موازين القوى الحقيقية وهي الشعب السوداني وثقافته والهويتة مما أدى إلى فقدان الثقة وتشكيك في دوره كمبعوث أممي يسعي للحل بل أجج الصراع بين كل المكونات .
دور بيرتس في تعقيد الأزمة السودانية خلال وجوده في السودان إتخذ فولكر بيرتس قرارات ساهمت في تعقيد المشهد السياسي ومنها التعامل بإنتقائية مع الأطراف السودانية دعم بعض القوى المدنية (قحط ) مقابل ممارسة ضغط دبلوماسي على المؤسسة العسكرية قوات الشعب المسلحة السودانية مما عزز حالة الاستقطاب السياسي.
دفع السودان إلى مسار تفاوضي غير متوازن حيث سعى لفرض إتفاقات غير واقعية مثل الإتفاق الإطاري الذي رفعته قحط كشعار لها يا الإطاري يا الحرب و لم يكن يعكس التوازن الحقيقي بين القوى السودانية.
إعادة تدوير لأزمة بدلًا من تمكين الحلول الوطنية شجع على زيادة التدخلات الخارجية مما جعل الأزمة السودانية أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للحل داخليًا.
الفرق بين السودان والدول الأخرى التي عمل بها على الرغم من التشابه في الأسلوب إلا أن هناك فرقًا جوهريًا بين الحالة السودانية وتجارب بيرتس السابقة:
في سوريا والعراق كانت الأمم المتحدة تعمل في سياق نزاعات مسلحة واضحة بينما في السودان جاء بيرتس في مرحلة انتقالية كان من الممكن إدارتها بطرق أقل تصعيدًا.
في السودان أدى تدخله إلى تفجير صراع جديد بدلًا من إدارة أزمة قائمة مما يجعل دوره أكثر سلبية مقارنة بدوره في سوريا والعراق.
الراهن السياسي في السودان هل كانت استراتيجيات بيرتس جزءًا من هندسة الصراع؟
بعد رحيله يواجه السودان واحدة من أعقد الأزمات في تاريخه الحديث حيث انهار النظام السياسي الهش التي بنته قحت وهو كان شيطان الصراع حيث زينه لقحت سهولة الاستيلاء على السلطة عبر فوة البنادق بينما فقدت القوى المدنية أي تأثير فعلي.
إذا نظرنا إلى الوضع الحالي في السودان، نجد أن استراتيجيات فولكر بيرتس لم تؤدِّ إلى استقرار، بل ساهمت في زيادة الإنقسام السياسي والميداني. ويمكن القول إن ما حدث في السودان لم يكن مجرد فشل دبلوماسي بل كان نتيجة لنمط معين من إدارة النزاعات الذي يتكرر في عدة دول.
خاتماً هل كان بيرتس مجرد مبعوث أم أداة لإدارة النزاع؟
للإجابة على هذا السؤال في ظل ما شهدته الدول التي عمل بها يبدو أن فولكر بيرتس لم يكن مجرد دبلوماسي يحاول حل الأزمات بل كان جزءًا من استراتيجية أوسع لإدارة النزاعات وفقًا لمصالح أطراف دولية معينة لم يكن فشله في السودان مفاجئًا بل كان امتدادًا لنمط متكرر في أدواره السابقة.
السؤال الأهم الذي يبقى مطروحًا: هل ستستمر الأمم المتحدة في اتباع هذا النهج في السودان أم أن التجربة الأخيرة ستدفع إلى إعادة تقييم دورها في النزاعات الدولية؟
علينا كسودانيين دراسة الصراعات العالمية و معرفة عميقة بالقانون الدولي لمواجهة هذه التوجهات بإستراتيجيات ورؤية وطنية مستقلة وإدارة هذه الصراعات العالمية وفق مصالح السودان .
السودان يمتلك إمكانيات هائلة تجعله قوة إقتصادية وسياسية محورية في المنطقة، لكن استغلال هذه الإمكانيات يتطلب تفكيرًا استراتيجيًا عميقًا ورؤية وطنية مستقلة وإدارة حكيمة للموارد والعلاقات الدولية.
إذا أراد السودان أن يكون لاعبًا استراتيجيًا وليس مجرد ساحة نفوذ فعليه أن يتبنى سياسة التوازن الذكي ويعمل على تقوية مؤسساته السيادية وبناء إقتصاد مستقل ليصبح قادرًا على التعامل مع القوى الدولية من موقع القوة