أمواج ناعمة د. ياسر محجوب الحسين يكتب : *حكومة الشاويش*
أمواج ناعمة
د. ياسر محجوب الحسين يكتب :
*حكومة الشاويش*
في عالم الرتب العسكرية، حيث التدرج والانضباط هما الأساس، تأتي قصة عبد الرحيم دقلو لتقلب كل المفاهيم رأسًا على عقب. فمن هو “الشاويش” أو “الرقيب”؟ في أبسط تعريفاته، الشاويش هو رتبة عسكرية متوسطة إلى دنيا، تأتي فوق العريف وتحت الرقيب الأول. هي رتبة تُذكرنا بجنود المرتبة المتوسطة،. لكن في مليشيا قوات الدعم السريع، حيث الفوضى هي النظام والانتهاكات هي القانون، يصبح الشاويش قائدًا، بل وحتى “فريق أول”! يا له من صعود سريع يُشبه قفزةً في حلمٍ غريب، أو نكتةً ساخرةً من نكات القدر.
عبد الرحيم دقلو، الذي بدأ حياته العسكرية كرقيب أول في قوات حرس الحدود، تمكن في غفلة الزمان وسخرية عربان الشتات من الترقية مثله مثل أخيه حميدتي من مجرد جندي إلى فريق أول خلا ضمن تلك المليشيا التي أصبحت مرادفة للفظائع والانتهاكات. ولكن، كيف حدث هذا التحول السحري؟ كيف قفز عبد الرحيم من رتبة رقيب إلى فريق أول؟ الجواب بسيط: في عالم مليشيا الدعم السريع، لا تهم الرتب التقليدية، ولا التدرج العسكري، ولا حتى الخبرة أو الكفاءة. كل ما يهم هو قدرتك على نهب ثروات البلاد وقطع الطريق وإرهاب الآخرين وارتكاب الجرائم دون رادع.
لقد كانت قفزة عبد الرحيم من رقيب إلى فريق أول بمثابة سخرية قدرية، تُلخص حجم الفساد الذي عمّ البر والبحر. ففي عالمٍ طبيعي، كان ينبغي أن يستغرق هذا الصعود سنواتٍ طويلة من الخدمة والتفاني دون أن يتجاوز في احسن الاحوال يبلغ رتبة الملازم، ولكن في المليشيا الارهابية يكفي أن تكون شقيقًا لحميدتي، وأن تكون مستعدًا لفعل أي شيء من أجل السلطة.
وهكذا، أصبح عبد الرحيم دقلو، الرقيب السابق، واحدًا من أعمدة حكومة موازية تُشيد عروشها على أشلاء الضحايا. حكومة تُدار بأيدي هي مجرد أدوات تنفيذ المخططات الخارجية الشريرة، حتى أصبحت تُصدر الأوامر وتُشكل الحكومات. يا له من انقلاب مأساوي على كل مبدأ عسكري وأخلاقي!
ولكن، لننتبه إلى السخرية الكامنة في هذه القفزة. فالشاويش، الذي كان يُفترض أن يكون مجرد جندي في الخلفية، أصبح اليوم يدير مليارات الدولارات المنهوبة من ثروات الشعب يُشكل الحكومات الاراقوزية. وكأن القدر يقول لنا: انظروا إلى أي مدى يمكن أن يصل الفساد عندما تُقلب كل الموازين رأسًا على عقب.
في مسرحية العار هذه، لا يلعب عبد الرحيم دقلو ومليشيا الدعم السريع دورهم القذر بمفردهم، بل يشاركهم في هذه الخيانة مجموعات سياسية متبطلة التي طالما حاولت إخفاء وجهها القبيح خلف أقنعة الثورة والديمقراطية. نعم، نحن نتحدث عن (قحت) و(تقدم)، اللتين ظلتا تنفيان طيلة شهور الحرب العجاف أي علاقة لهما بمليشيا الدعم السريع، بينما كانتا في الخفاء تُحيكان خيوط التحالف معها. واليوم، تأتي الحقيقة لتكشف عن وجه الخيانة بأبشع صورها.
لقد أثبتت الأيام أن (قحت) و(تقدم) ليستا سوى شركاء في الجريمة، يدا بيد مع قوات الدعم السريع، ليس من أجل تحقيق مصلحة الشعب السوداني، بل من أجل السلطة، حتى لو كانت على جثث الضحايا وأشلائهم. لقد باعتا ضمائرهما مقابل كرسي زائل، وشاركتا في تشكيل حكومة موازية تُشيد عروشها على دموع الأرامل وصرخات الأطفال وأنات المغتصبات.
هذه هي الخيانة في أبشع تمظهراتها: أن تتحالف مع من سفكوا الدماء واغتصبوا النساء وشردوا الملايين، فقط من أجل حفنة دولارات منهوبة وسلطة كرتونية. أن تتنكر لكل مبدأ ثوري كنت تدعيه، وتجلس على طاولة واحدة مع من ارتكبوا أبشع الجرائم بحق شعبك. أن ترفع شعارات الحرية والعدالة، بينما أنت تُسهم في إدامة الظلم والقتل.
ولكن، لن يمر هذا بسهولة. الشعب السوداني، الذي عانى من جرائم المليشيا، لن يسمح لهذه الخيانة أن تمر دون حساب. لن يقبل الشعب السوداني، أن تُسرق أحلامه مرة أخرى. الشعب السوداني، الذي عرف معنى التضحية والفداء، لن يترك الذين خانوه يفلتون من العقاب.
نعم، الشعب السوداني لهم بالمرصاد. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى. وسيأتي اليوم الذي تُحاسب فيه كل الأيدي التي لطخت نفسها بدماء الأبرياء، وكل الأصوات التي خانت شعبها من أجل كرسي زائل.
حكومة الشاويش ليست سوى فصلٌ آخر في مسرحية العار، ولكنها لن تكون الفصل الأخير. فالشعب السوداني، الذي وقف في وجه الطغاة مرارًا وتكرارًا، قادر على أن يكتب نهاية مختلفة لهذه المسرحية. نهاية تُعيد الحق إلى أصحابه، وتُحقق العدالة للضحايا، وتُعلن أن الخيانة لن تمر، وأن الدماء البريئة لن تُنسى.
فليعلم الجميع: الشعب السوداني واقفٌ كالجبل، ولن يرضى بالذل والخيانة. وسيأتي اليوم الذي تُحاسب فيه كل الأطراف التي تآمرت على مستقبله. يومٌ يُعلن فيه أن الدماء البريئة لم تُسفك عبثًا، وأن الخيانة لن تمر دون عقاب.