عادل عسوم يكتب : *وقفات، وتدبرات رمضانية _العام 1446 – اليوم الثامن :* *الصيام والصبر*
عادل عسوم يكتب :
*وقفات، وتدبرات رمضانية _العام 1446 – اليوم الثامن :*
*الصيام والصبر*
الصبر أنواع ثلاث:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله المؤلمة.
والصبر إما بدني أو نفسي، وكل منهما قسمان: اختياري واضطراري.
والبدني الاختياري كامتهان الأعمال الشاقة.
والبدني الاضطراري كالصبر على ألم الضرب.
أما الصبر النفسي الاختياري كصبر النفس عن فعل مالا يحسن فعله شرعاً ولا عقلاً.
والصبر النفسي الاضطراري كصبر النفس عن فقدان محبوبها الذي حيل بينها وبينه.
والبهائم تشارك الإنسان في النوعين الاضطراريين، لكنه يتميز عليها بالنوعين الاختياريين.
والصبر الاختياري أكمل من الاضطراري، فإن الاضطراري يشترك فيه الناس ويتأتى ممن لا يتأتى منه الصبر الاختياري، ولذلك كان صبر يوسف على مطاوعة امرأة العزيز، وصبره على ما ناله من السجن أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبويه وباعوه بيع العبد، ومن الصبر الاختياري صبره على العز والتمكين الذي أورثه الله إياه فجعله مسخراً لطاعة الله ولم ينقله ذلك إلى الكبر والبطر، وكذلك كان صبر نوح والخليل وموسى الكليم والمسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم فإن صبرهم كان على الدعوة إلى الله ومجاهدة أعداء الله ولهذا سموا أولي العزم، وأمر الله رسوله بأن يصبر كصبرهم {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل}، ونهاه عن أن يتشبه بصاحب الحوت في انتفاء الصبر حيث لم يصبر فخرج مغاضباً قبل أن يؤذن له {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت} ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على أولي العزم حتى ردوها إلى خيرهم وأفضلهم وأصبرهم وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
والصبر المتعلق بالتكليف -وهو صبر إما على الطاعة أو عن المعصية- لأفضل من الصبر على مرارة القدر، فإن هذا الأخير يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر، فقد يصبرون على القدر اختياراً أو اضطراراً، أما الصبر على الأوامر وعن النواهي فهو مايسمى بصبر أتباع الرسل، والصبر على الأوامر أفضل من الصبر عن النواهي، لأن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المحظور، والصبر على أحب الأمرين أفضل وأعلى بالطبع.
بعد كل هذا التفصيل ينبغي أن نعرف أن أفضل أنواع الصبر هو الصيام…
فالصيام يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة التي اوردتها في ابتدار المقال، فالصيام صبر على طاعة الله عز وجل، والصيام كذلك صبر عن معاصي الله، والصيام أيضا صبر على ما يحصل للصائم من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن.
والذي يصوم رمضان ايمانا واحتسابا يخرج من هذا الشهر وقد اكتسب صفة الصبر وهي من صفات الرسل والأنبياء.
واسمحوا لي يا أحباب أن اختم بهذه الوقفة والتدبر لهذه الآية الكريمة: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّه} النحل 127
في هذه الآية الكريمة جملتات فعلية وخبرية، الجملة الفعلية تتمثل في قول الله تعالى {وَاصْبِرْ}، هنا يأمر الله تعالى بالصبر، أما الجملة الثانية فهي قوله تعالى: {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} وهذه جملة خبرية غير الجملة الطلبية التى تقدمتها، لاحظوا أن الله قال بأنه لا يمكن الصبر إلا (به) تعالى!، وذلك يتضمن أمرين هما الاستعانة به أو المعية الخاصة التى تدل عليها باء المصاحبة في الحديث القدسي الطويل الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه بأن (…ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمَعُ بِهِ وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ ويدَهُ الَّتي يبطِشُ بها ورجلَهُ الَّتي يمشي بها، فبي يسمَعُ وبي يُبصِرُ وبي يبطِشُ وبي يسعى، ولئن سألني لأعطينَّهُ…)، وليس المراد بهذه الباء الاستعانة، فإن هذا أمر مشترك بين المطيع والعاصى، وإن مالا يكون بالله لا يكون، بل هى باء المصاحبة والمعية التى صرح بمضمونها في قوله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وهى المعية الحاصلة لعبده الذى تقرب إليه بالنوافل حتى صار محبوبا له، فبه يسمع وبه يبصر وكذلك به يصبر فلا يتحرك ولا يسكن ولا يدرك إلا والله معه، ومن كان كذلك أمكنه الصبر بالله لله وتحمل الأثقال لأجله كما في الأثر الإلهى يعنى (وما يتحمل المتحملون من أجلى)، فدل قوله {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} على انه من لم يكن الله معه لم يمكنه الصبر، وكيف يصبر على الحكم الأمرى امتثالا وتنفيذا وتبليغا وعلى الحكم القدرى احتمالا له واضطلاعا به من لم يكن الله معه، فلا يطمع في درجة الصبر المحمود عواقبه من لم يكن صبره بالله، كما لا يطمع في درجة التقرب المحبوب من لم يكن سمعه وبصره وبطشه ومشيه بالله،
وهذا هو المراد من قوله: (كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها) ليس المراد انى كنت
نفس هذه الاعضاء والقوى كما يظنه بعض غلاة المتصوفة وجماعة محمود محمد طه من المنادين بوحدة الوجود والاتحاد والحلول وكون ذات العبد هى ذات الرب والعياذ بالله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فلو كان كما يظنون لم يكن هناك فرق بين هذا العبد وغيره، ولا بين حالتى تقربه إلى ربه بالنوافل وتمقته إليه بالمعاصى، بل لم يكن هناك متقرب ومتقرب إليه، ولا عبد ولا معبود، ولا محب ولا محبوب، فالحديث كله مكذب لدعواهم الباطلة من وجوه عديدة تعرف بالتأمل الظاهر، وقد فسر المراد من قوله: (كنت سمعه وبصره ويده ورجله) بقوله: (فبي يسمع وبى يبصر وبى يبطش وبى يمشى)، فعبر عن هذه المصاحبة التى حصلت بالتقرب إليه بألطف عبارة وأحسنها تدل على تأكد المصاحبة ولزومها حتى صار له بمنزلة سمعه وبصره ويده ورجله.
وهنا سر بديع وهو أن من تعلق بصفة من صفات الرب تعالى أدخلته تلك الصفة عليه وأوصلته إليه تعالى، فالرب تعالى هو الصبور، وربنا تعالى يحب أسماءه وصفاته ويحب مقتضى صفاته وظهور آثارها في العبد منا، فإنه تعالى جميل يحب الجمال، عفو يحب أهل العفو، كريم يحب أهل الكرم، عليم يحب أهل العلم، وتر يحب أهل الوتر، قوى والمؤمن القوى أحب إليه من المؤمن الضعيف، صبور يحب الصابرين، شكور يحب الشاكرين، واذا كان سبحانه يحب المتصفين بآثار صفاته فهو معهم بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف فهذه المعية الخاصة عبر عنها بقوله (كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا).
ويأتي الصيام ليسهم في شفافية نفس العابد الساعي للقرب إلى الله وتشكيل وجدانه انتصارا للروح على الجسد.
آمنت بالله.
اللّهم رب شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن وجعلته بينات من الهدى والفرقان، أعنا على صيامه وقيامه وتقلبه منا.
اللهم اجعلنا ممن يقوم رمضان ويصومه إيمانًا واحتسابًا.
اللهم اجعل شهر رمضان شهر عز وانتصار للإسلام وللمسلمين، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com