منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

لابد من لاهاي وإن عزٌ النصير سلسلة مقالات….. عمر مختار حاج النور الحلقة الثانية: *لماذا محكمة العدل الدولية والتركيز على الإبادة الجماعية؟*

0

لابد من لاهاي وإن عزٌ النصير
سلسلة مقالات…..
عمر مختار حاج النور

الحلقة الثانية: *لماذا محكمة العدل الدولية والتركيز على الإبادة الجماعية؟*


قد يتبادر إلى الذهن تساؤل جوهري حول سبب لجوء السودان إلى محكمة العدل الدولية تحديداً في هذه القضية الهامة، وليس إلى محكمة دولية أخرى قد تبدو للوهلة الأولى أكثر ارتباطاً بالجرائم المرتكبة، مثل المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالنظر في الجرائم المرتكبة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
الإجابة على هذا التساؤل المحوري تكمن في طبيعة الإختصاص القضائي لكلتا المحكمتين. فالمحكمة الجنائية الدولية، كما هو معلوم، تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بإرتكاب جرائم دولية محددة، ولا تمتد ولايتها القانونية لمحاكمة الدول ككيانات قانونية. إضافة إلى ذلك، فإن الدول المخولة بإحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية وطلب تدخل المدعي العام للمحكمة -ضمن جهات أخرى محددة في نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية- هي فقط الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، والسودان كما هو معلوم ليس طرفاً في هذا النظام.
أما محكمة العدل الدولية، التي حركت حكومة السودان الدعوى أمامها، فهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتختص بالفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. بالتالي، ولما كان السودان يتهم دولة الإمارات العربية المتحدة تحديداً بدعم مليشيا الدعم السريع وقيامها بأفعال تعتبرها الحكومة السودانية انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي وسيادته الوطنية، فإن محكمة العدل الدولية هي الجهة القضائية الدولية المختصة والمناسبة قانوناً لنظر الدعوى المقامة من السودان ضد دولة الإمارات كدولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. ويرتكز الأساس القانوني لشكوى السودان ضد الإمارات على انتهاك الأخيرة لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتقويض سيادتها، وعلى ضوء هذه الأسس القانونية الواضحة كان خيار السودان لمحكمة العدل الدولية خياراً منطقياً وقانونياً سليماً.
أما عن تركيز السودان في شكواه على جريمة الإبادة الجماعية تحديداً، على الرغم من التقارير العديدة عن جرائم أخرى إرتكبت في السودان، فيمكن تفسيره بأن عدة أسباب جوهرية كانت وراء ترجيح بناء الدعوى القانونية على هذا الإتهام تحديداً.
أولاً: الخطورة القصوى للجريمة وأبعادها القانونية والأخلاقية والإنسانية:
إذ تعتبر الإبادة الجماعية من أخطر الجرائم الدولية على الإطلاق، وتستوجب أشد الإدانات والعقوبات على مرتكبيها والمحرضين عليها والمتواطئين فيها. ثانياً: وجود مبرر قانوني قوي:
ربما رأت الجهات القانونية المختصة في حكومة السودان أن البينات والأدلة التي تدعم إتهام الإمارات بالتواطؤ أو التحريض أو المساعدة في ارتكاب أفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية من قبل مليشيا الدعم السريع واضحة بصورة أكبر وقابلة للإثبات بشكل أقوى في سياق جريمة الإبادة الجماعية مقارنة بغيرها من الجرائم الدولية الأخرى.
ثالثاً: الرمزية والأثر القانوني والسياسي: فمجرد توجيه تهمة الإبادة الجماعية لدولة ذات ثقل إقليمي ودولي مثل الإمارات العربية المتحدة هو أمر من شأنه تحميلها تبعات قانونية وسياسية وأخلاقية وخيمة على المستوى الدولي، ويضعها في موقف حرج أمام الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية.
التركيز على جريمة الإبادة الجماعية في هذه المرحلة المفصلية بالطبع لا يبطل، ولا يستبعد حق السودان مستقبلاً في إمكانية تقديم أدلة وبينات جديدة تتعلق بجرائم أخرى إرتكبت في سياق وقائع الإتهام الأساسي، ولكن يبقى التركيز على الإبادة الجماعية بمثابة حجر الزاوية والمنطلق الأساسي في هذه الدعوى التاريخية.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.