منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

صهيب حامد يكتب : *وأخيراً بعد تدخلها رسمياً في الحرب بضرب عاصمتنا الإدارية بورتسودان.. أي رهانات يحملها صراعنا الإستراتيجي مع الإمارات!!!؟. (١-٥)*

0

صهيب حامد يكتب :

*وأخيراً بعد تدخلها رسمياً في الحرب بضرب عاصمتنا الإدارية بورتسودان.. أي رهانات يحملها صراعنا الإستراتيجي مع الإمارات!!!؟. (١-٥)*

صهيب حامد

تمعّن ضابط المخابرات الفرنسي العجوز الذي أنيط به تدريب مجموعات جهاز الأمن السوداني بباريس في نهاية العام ١٩٩٤م سائلاً إياهم ما إذا كانت دولتهم تفترض في إستراتيجيتها دولةً ما كعدو إستراتيجي؟..مستطرداً بأن الإجابة على هذا السؤال ذات تعلُّق بالمنهج التدريبي المتوجب تلقيه من قبلهم ، فأجاب أكبرهم رتبة بعد صمت زي مغزى أن عدوَهم الإستراتيجي الآن هو أمريكا ويبدو أن ضابطنا العظيم قد إستلهم ذلك من قصيدة (أمريكا وروسيا قد دنى عذابها)!!. فندَّت إبتسامة مشفقة من شفتي ضابط المخابرات العجوز وهو يقول بأن مفهومَ العداءِ الإستراتيجي جيوسياسياً (Geo—politically) ذو تعلق بالتاريخ والمصالح والأيديولوجيا ، ثم إستطرد مسهباً بأنه وفق ذلك فأمريكا ليست ذات تمفصل مع السودان لا تاريخاً أو جيوبوليتيكياً لتصبح قاعدة عداء إستراتيجي له ، وإن فعلاً تقاطعت سياسياً معه في مرحلة من المراحل وهذه ليست قاعدة كافية لجعلها في خانة العداء الإستراتيجي !!. إفترض روندو (وهو الإسم الثاني للضابط الفرنسي العجوز) أثيوبيا كعدو إستراتيجي لجملة أسباب عدّدَها أهمها الصراع الأزلي بين السهل (السودان) والجبل (أثيوبيا) ، فدوما لا ينقطع طمع سكان الجبل عن إمتلاك الأرض الخصيبة للسهل معضداً ذلك بشواهد التاريخ والجغرافيا!!. ولا أدري ما إذا كان الفرنسيون صادقين إزاء هذا التصنيف على عقابيل التعاون الإستخباري الكبير الذي بدأ بينهم والمخابرات السودانية بعد تسليم هؤلاء الأخيرين المطلوب الفنزويلي الأشهر (كارلوس) في ١٥ أغسطس ١٩٩٤م للفرنسيين ، ولكن الشاهد أن النظام السوداني أنذاك وعلى رأسه جهاز مخابراته لم يكونوا يعبرون إلّا عن أفزع درجات الخواء الإستراتيجي المُعمي حتى عن التفرقة بين العدو الإستراتيجي من العدو المرحلي!!. وبما أننا من الإنقاذ قد خرجنا إلى فضاء أكثر عَمَاً منه (ناشطو ثورة ديسمبر) ، فالسودان الآن أسوأ ونحن اليوم ندخل مرحلة الصراع المباشر مع دولة الإمارات العربية المتحدة (UAE) بعد ضربات بورتسودان. فهل يمكن تصنيف الإمارات كعدو إستراتيجي للسودان أم أن التوتر الحالي بين حكومة السودان والإمارات المتمثل في دعمها لمليشيا الدعم السريع وتدخلها الأخير هو أيضاً مجرد تقاطع سياسي عابر مثله مثل الذي حدث في العلاقة بين السودان وأمريكا في مطلع تسعينيات القرن الماضي؟. صحيح أن لأمريكا مطامع في السودان ، ولكنها مطامع لا تقتصر على السودان فحسب لبلدٍ له خططه في العالم أجمع. بعكس الإمارات التي يبدو أنها ومنذ العام ٢٠١٦م قد عكست مستحاثاتها كي يكون السودان هو محور مصالحها الإستراتيجية كدولة (أي الإمارات) قامت على حظوظ التاريخ إقتطعها الإحتلال البريطاني في العام ١٩٧١م من سلطنة عمان بهدف التحكم في ثروتها من النفط والغاز بعدد قليل جداً من السكان وبلا ثروة تذكر قبل ذلك عدا صيد الأسماك والقرصنة البحرية!!!.
لقد نشأت الإمارات (١٩٧١م) كدولة عربية على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي طوّر علاقات إيجابية مع السودان مستفيداً من الكوادر المتعلمة والمؤهلة التي أنجبها سلك الإدارة البريطانية ببلادنا والتي يبدو أنها كانت نصيحة بريطانية للأب الموسس قبيل خروجهم من الدويلة التي صنعوها تواً ، فالسودانيون أناس طيبون ومخلصون وغير طموحين. ولكن يبدو أن خطط الإمارات قد تغيرت بعد وفاة الأب المؤسس نتيجة سيطرة الابن الثالث (محمد) والذي أراد لبلاده أن تلعب دوراً يفوق الأهمية الجيوسياسية لها فأخذ في فك إرتباط (الإمارات) بمحيطها العربي والإسلامي ، ومن ثمّ والغاً بشدة أولا في التطبيع مع الكيان الصهيوني ثم متحالفاً معه وهو ما مكّن محمد بن زايد كي يجعل من الإمارات المركز المالي الأول في الشرق الأوسط عبر إعادة تجذير الأموال اليهودية والصهيونية في الخليج كمركز للنفط والغاز في العالم.بالطبع فإن الإمارات تفهم ميزها (Advantages) ومعضلتها (Disadvantages ) ، فهي تنام على ثروة من النفط والغاز تضعها في المركز السابع على مستوى الإحتياطات في العالم بإنتاج يبلغ ٣.٥ مليون برميل يومياً ، وثامناً عالمياً في إحتياطيات الغاز بإنتاج سنوي يبلغ ٥٧ مليار متر مكعب. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي السنوي لدولة الإمارات ٥٠١ مليار دولار وذلك مقابل ٨٠٠ الف مواطن إماراتي وسط أكثر من ٩ مليون مواطن أجنبي أغلبهم من الهنود والبنغال والباكستانيين!!.

لقد إستطاعت دولة الإمارات عبر موارد لا تنضب أن تجند أعظم العقول في العالم وأن تستفيد كذلك من إنفتاحها على أضخم مراكز التخطيط والمعلومات والتفكير الإستراتيجي (Think Tanks) كي تدرك أن العالم مُقدم على تغيُّرٍ كبير لم يدركه عقلنا السوداني المؤسسي والإستراتيجي ، فهذه الحقبة تشهد أضخم حدثين تاريخيين وهما نهاية دورتين ، الدورة الحضارية الغربية ودورة النظام الدولي الحالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. إذن أولاً نحن نعيش اليوم نهاية الدورة الحضارية لسيطرة الغرب والتي إبتدأت في ١٤٦٩م ، العام الذي شهد بزوغ الحالة الجنينية للإمبراطورية الإسبانية بإندماج مملكتي قشتالة أو الكاستيل بالإسبانية (castille) وأراغون (Aragon) عبر زواج الملكة إيزابيلا (ملكة أراغون) والملك فرديناند الثاني (ملك الكاستيل) ، وهو الإندماج الذي عجّل بإنهيار الدولة الإسلامية الأموية في الأندلس وطرد العرب من هناك في العام ١٤٩٢م. وهكذا بدأ من هناك التفويض الذي منحه كل من فرديناند وإيزابيلا لكولومبس لإستكشاف الدنيا الجديدة (أمريكا). لقد راكمت الإمبراطورية الإسبانية ثروات ضخمة عبر هذا الإستكشاف الذي خلق مستعمرات إمتدت من أمريكا غربا الى الفلبين شرقاً. ولكن نتيجة لصراع الهابسبورغ (حكام اسبانيا) مع البوربون (حكام فرنسا) ضعفت الإمبراطورية الإسبانية خصوصاً بعد فقدها لمستعمراتها الأوروبية (هولندا خصوصا) ، ومن ثم إنفصلت منها البرتقال التي حاولت سعيها الإمبراطوري منفردة بعد اكتشاف البرتقالي فاسكو دا غاما لطريق رأس الرجاء الصالح (Cape of good hope) في ١٤٩٩م ومن ثم إحتلال مستعمراتها بشرق أفريقيا وكل من (كيرا لا) و(قوا) بالهند و(مالغا) ببلاد الملايو. لقد كان لإستكشاف طريق رأس الرجاء الصالح أثراً مدمراً على الإمبراطورية العثمانية والممالك الإسلامية التي كانت تحتكر التجارة مع الهند والصين خصوصا في الحرير و البهارات (Silk & Spices) عبر البر الشرقي للمتوسط (The levants) ومن هناك إلى أروبا عبر البحر المتوسط وهذا هو سبب تراجع الدورة الحضارة الإسلامية وبزوغ فجر الدورة الحضارية الغربية. بعد معاهدة وستفاليا في العام ١٦٤٨م برزت هولندا كقوة إستعمارية جديدة وفتية بخروج المستعمر الإسباني منها (Northern Nutherlands) وهكذا كي تتسيَّد هولندا القرنين السابع عشر والثامن عشر بمستعمرات درّت عليها ثروات أضخم من كل تصور عبر شركتيها القابضتين الهند الغربية (Dutch GWC) والهند الشرقية (Dutch VOC) وقد إمتدت مستعمراتها شرقاً لتشمل كل من إندونيسيا وتايوان وجزء من اليابان وماكاو الصينية وسيريلانكا والهند وجنوب وغرب أفريقيا ، إلى جانب كل من البرازيل وسورينام وأغلب الكاريبي وبعض أمريكا الشمالية ، كي يصبح كل من القرنين السابع والثامن عشر هما قرني (الجلدر). وما أن أتى القرن التاسع عشر في خضم الثورة الصناعية حتى إكتشفت بريطانيا (المحرك البخاري) الذي مكّن بريطانيا في عهدها الفيكتوري من قيادة ثورة الإستغناء عن السفن الشراعية والمجداف وبرزت السفن البخارية السريعة والقوية كي يصبح القرن التاسع عشر بلا منازع هو قرن السيادة البريطانية فاحتلّت الهند وأمريكا والخليج وإيران وأفغانستان ومصر إلى جانب مستعمراتها الأفريقية الأخرى. ولكن الحقيقة هي أن الهند والصين كانتا تمثلان أنذاك ثلث ثروات العالم ، فإحتلّت بريطانيا الهند بالكامل. بخصوص الصين فلقد سيطرت بريطانيا عليها فيما أسمي بحروب الأفيون الأولى (١٨٣٩م-١٨٤٢م) والثانية (١٨٥٧م) والتي إنتهت بهزيمة نكراء للصين التي كانت تحت حكم أسرة شينغ الإمبراطورية (Qing). لقد أُرغمت الصين بعد ذلك على السماح لدخول الأفيون للبلاد بلا جمارك تذكر وهكذا أدمن الشعب الصيني هذا المخدر وزاد الطلب عليه مما رجح ميزان المدفوعات بين البلدين لصالح بريطانيا التي لم تكن تتجشم أكثر من عناء زراعته في إقليمي (تاميل نادو) و(البنغال) الهنديين ثم تصديره إلى الصين لتحصل عبر ذلك على الفضة التي كانت تستخدمها بالمقابل لإستيراد الحرير والبهار والشاي والبورسلين من الصين في ملهاة لم تحدث فيما بعد إلّا في ظل الإمبريالية الامريكية الراهنة عبر طباعة الدولار دون تغطية منذ العام ١٩٧٢م فصاعداً!!!.

إستمرت بريطانيا في السيطرة الإقتصادية والعسكرية على العالم إلى إندلاع الحربين العالميتين وقد خرجت بريطانيا منهارة تماماً كي تذهب القيادة للولايات المتحدة الأمريكية التي سيطرت على دورة النظام الدولي الراهنة ، في حقبة هذه الدورة الحضارية الغربية المنتهية ولايتها قريباً. يمكننا التأريخ لبروز الصين كقوة صاعدة (Emerging power) منذ صعود الزعيم (دينق شياو بينج) في ١٩٧٨م في أعقاب وفاة (ماو تسي تونج).ولكن الصعود الخطر يُؤرَخ له أبتداءاً من إنضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في العام ٢٠٠١م وتطور قدراتها التصنيعية إلى إحتلالها موقعها (كمصنع العالم) في هذا العقد الأخير!! . لقد إعتلى الرئيس (شي جين بينغ) السلطة في الصين في ٢٠١٢م ومن هنا برز الرجل في سمت القائد القادم للعالم بسطوة وسلطات غير مسبوقة منذ وفاة ماو تسي تونغ كي تقف الصين اليوم كزعيمة للإقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي وفق معيار القوة الشرائية (purchasing power parity) يبلغ ٣٧ ترليون دولار متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية التي تقبع في المركز الثاني ب ٢٩ ترليون دولار!!. وكما أسلفنا فإذا كانت الدورة الحضارية السابقة قد تسيدتها القوة الغربية (اسبانيا والبرتقال ثم هولندا ثم بريطانيا وأخيرا الولايات المتحدة)، فنحن اليوم في إنتقال لدورة حضارية جديدة تتسيدها الصين في المركز الأول عالمياً واليابان في المركز الثالث والهند في المركز الرابع وكوريا الجنوبية ضمن العشرة إقتصادات الأكبر في العالم. أما في العشرة الثواني تتربع كل من إندونيسيا وتايلاند وفيتنام وسنغافورة وماليزيا والفلبين بلا منازع. أي أن (التيك توك) واليوان وبنك التنمية الآسيوي وعلى بابا (Alibaba) وهواوي و بي واي دي (BYD) هما رموز لحقبة حضارية جديدة لا بد من الازعان لها!!. إذن فالامارات توفرت على الأدوات التي تمكنها من القراءة من هذا الكتاب كي تدرك أن نهاية اي دورة حضارية والتي تتذيلها دورة للنظام الدولي دوماً يشوب ذلك قدر من الفوضى التي تمنح فرصاً ثمينة لبعض (القراصنة) كي ينهبوا ما شاء لهم من الممتلكات وهو ما تحاول الإمارات اليوم القيام به بلا وازع من نخوةٍ أو نظامٍ أو قانونٍ أو ضميرْ!!!.. نواصل.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.