منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

رحمة عبدالمنعم يكتب : *مبارك الفاضل ..(عرّاب الزوابع)..*

0

رحمة عبدالمنعم يكتب :

*مبارك الفاضل ..(عرّاب الزوابع)..*


في زمنٍ تُختبر فيه الإرادات، وتُكشَف فيه الأقنعة، يطل علينا رئيس حزب الأمة الاصلاح والتجديد، مبارك الفاضل، بوجهٍ جديد لا يختلف عن وجوهه القديمة إلا في زاوية الانحناءة ومقدار الصوت، يقول تارةً إنه مع الجيش، ثم لا يلبث أن يطالب الجيش بـ”وقف التقدم العملياتي” والجلوس مع “المجتمع الدولي” لتصفية الدعم السريع، وكأنما المشكلة في حيازة السلاح، لا في استعماله لهدم الدولة.

هكذا ظل مبارك الفاضل، ينتقل من موقف إلى نقيضه، دون أن يرمش له جفن أو يَحمر له خد، يعرفه السودانيون جيداً: سياسي لا يثبت على موقف، بل يتقافز حيثما شعر أن مصالحه أقرب إلى الإثمار، من الانقلاب على الإمام الصادق المهدي رحمه الله، إلى مصافحة العسكر، ثم مناكفتهم، ثم العودة إليهم، ثم الهروب مجدداً إلى حيث الريح تهب، ولأن الريح هذه المرة تهب من جهة الخليج، لم يتأخر الرجل في شدّ رحاله إلى أبو ظبي، حيث تدعم مليشيا الجنجويد التي يقول إنه لا يقف معها.

في تصريحاته الأخيرة، بدا مبارك وكأنه يتحدث من كوكب آخر، فبينما الجيش يخوض معركته الأخيرة لإنهاء التمرد واستعادة مدن كردفان ودارفور، يقف الفاضل ليقول: “كفى، فقد تحقق الهدف”، من يحدد الهدف؟ ومن يملك سلطة إعلان الاكتفاء؟ أهو الجيش، أم صاحب التيار الذي وصفه الأمام الراحل الصادق المهدي بـ”اصطفاف الأشباح”؟ وهل بات مبارك الفاضل ناطقاً باسم المليشيا، أم رسولاً فوق الوطن ينثر علينا وصاياه من علياء “العقلانية الزائفة”؟

اللافت في كل ذلك، أن الفاضل يحذر من استمرار المعارك، ليس حرصاً على دماء الأبرياء، وإنما خشية من “غضب أمريكا”، التي يقول إن البرهان استفزها بتحالفاته مع طهران وموسكو! لا بأس أن ننتقد مسار السياسة الخارجية، ولكن ما دخل ذلك بواجب الجيش الوطني في الدفاع عن مدن البلاد، وصون مؤسسات الدولة؟ أهو إذن تخويف، أم تبرير غير مباشر لتهديدات محتملة من الخارج؟

ثم ذهب الفاضل أبعد من ذلك،وأشار تلميحاً إلى إسرائيل، معتبراً أنها قد تكون وراء الضربات التي استهدفت بورتسودان بالمسيرات الاستراتيجية،لماذا؟ لأن “إيرانيين” كانوا هناك ،هكذا بمنتهى الخفة، تُرسم الخرائط وتُوزع أصابع الاتهام، وتُضاف أبعادٌ “إقليمية” دون أن يُدقق أحد في مدى خطورة هذه التصريحات، أو في توقيتها.

مبارك الفاضل ليس جديداً على المسرح، هو قديم قِدم القفز بين المقاعد، وبارع في فنّ إعادة التدوير، من تحالفه التاريخي مع الإسلاميين، إلى خصومته العنيفة معهم، ثم تودده لخصومهم، ثم عودته إليهم، لا يملك الرجل ثوابت، بل يمتلك حاسة بارعة لشمّ اتجاه الريح، وإن كان الإمام الصادق المهدي قد قال يوماً إن تيار مبارك “اصطفاف أشباح”، فإن الواقع يؤكد اليوم أنه أيضاً “عرّاب الزوابع”، تلك التي لا تبني بلداً، ولا تنقذ شعباً، بل تبعثر كل شيء في الهواء.

والسؤال الحقيقي ليس عن مواقف مبارك الفاضل، فقد اعتاد الناس تقلبها، بل عن أولئك الذين ما زالوا يصغون له، ويتعاملون معه كصاحب رأي، متى يتعلم هذا البلد أن الانتهازية ليست مشروعاً وطنياً، وأن الوطن لا يُبنى بالمجاملات، ولا يُحمى بالمترددين؟

في مثل هذه اللحظات، يكون الحسم فضيلة، والوضوح شجاعة، أما مبارك الفاضل، فهو كالعادة، يقف عند منتصف الطريق، يلوّح لهذا ويغمز لذاك، ظناً منه أن السياسة لعبة مراوغة، لكنه ينسى أن التاريخ لا يرحم المترددين، ولا يعيد الاعتبار للذين باعوا المواقف بأرخص الأثمان.

*#صحيفة_الكرامة*

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.