ألسنة وأقلام بابكر إسماعيل *لماذا يجب ألا نتفاوض مع الأمارات*
ألسنة وأقلام
بابكر إسماعيل
*لماذا يجب ألا نتفاوض مع الأمارات*
أدّى فشل إنقلاب محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع في ١٥/ ٤/ ٢٠٢٣ إلى قيام حرب شاملة في السودان مدعومة من دولة الأمارات العربية المتحدة كما أكّد ذلك مراراً الجيش السوداني عبر بياناته وكذلك تصريحات الفريق أوّل ياسر العطا عضو مجلس السيادة السوداني وكذلك تصريحات مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة السفير الحارث إدريس وكذلك بشكوى السودان لدى محكمة العدل الدولية ضدّ دولة الأمارات العربية المتحدة (والتي يحلو للناشطين السودانيين تسميتها بدويلة الشرّ) حول خرق الأمارات لحظر السلاح عن دارفور ورفضت محكمة العدل الدولية في شهر مايو الماضي النظر في القضية بسبب عدم الاختصاص.
لذا فهناك قناعة كاملة من الجانب السوداني بأنّ هذه الحرب الشاملة تشنّها دولة الأمارات العربية المتحدة ضدّ السودان ولديها أدلة مادية مكتملة تعضّد من هذه القناعة ..
أمّا على الصعيد الأماراتي فإن أجهزة الدولة الرسمية الأماراتية تنفي أي علاقة لها بهذه الحرب ضدّ السودان وأنها تتدخل بتقديم المساعدات الإنسانية وإقامة المستشفيات في المناطق الحدودية في أم جرس بتشاد وبدولة جنوب السودان من أجل الدعم الإنساني.. وتؤكد أن طائراتها التي تخترق الأجواء السودانية وتهبط في مدينة نيالا بإقليم دارفور تأتي محملة بالمساعدات الطبية والإغاثية والأغذية والورود وأنها تقوم بعلاج المرضى وإغاثة الجوعى الخ .. من أعمال البرّ والخير.
فإذا صدقنا زعم الأمارات بأنها تسعى لمساعدة السودان لأسباب إنسانية فإننا نجد صعوبة بالغة في معرفة أهداف الأمارات وسعيها الحثيث بكل ما أوتيت من نفوذ لحشر وجودها في أي دعوة لمفاوضات تدعو لها أطراف إقليمية أو دولية تدعو لمباحثات لوقف الحرب بالسودان
كما فعلت في المنامة وجنيف .. فهل هذا يدخل أيضاً في أعمال البرّ والتقوى الأماراتية ؟
فالمعلوم بالضرورة أنّ السودان ليس دولة خليجية ولا تحدّه حدود مشتركة مع دولة الأمارات ولا توجد له روابط عرقية مع مكونات الأمارات الإثنية ( وتتكون تركيبة دولة الأمارات العربية من ٧٠٪ من الوافدين الآسيويين، ١٢٪ من عرب الأمارات و١٢٪ من الوافدين من الدول العربية ونسبة ٦٪ من الدول الأخرى).
ومن المعلوم أنّ دولة الأمارات العربية ارتبطت بمصالح اقتصادية مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير حيث منحها أراض لزراعة العلف الحيواني وكذا امتياز إقامة ميناء على البحر الأحمر ولديهم حصة في رأسمال بنك الخرطوم وكذلك كان ولا يزال تصدير معظم الذهب السوداني يتم عبر دولة الأمارات .
ومن المتوقّع عندما تكون لدولة مصالح اقتصادية في دولة أخرى أن تسعى هذه الدولة لوقف القتال في الدول التي لديها فيها مصالح ولكن ليس مألوفاً أن تسعى دولة تربطها مصالح اقتصادية مع دولة أخرى لتسعير الحرب فيها ومساندة أحد طرفيي الصراع ومعاونته في للاستيلاء على السلطة بالقوة .. اللهم إلا إذا كانت هذه الدولة شريكة للطرف المعتدي أو محرّضة له أو مخططة له للاستيلاء على السلطة ونحسب أنه بالنسبة لدولة الأمارات العربية المتحدة أنها تلعب الأدوار الرئيسية في حرب السودان: تخطيطاً وتحريضاً وشراكة دم مع مليشيا الجنجويد كما أثبتت تصريحات الجيش السوداني وقياداته النافذة ..
وقد برزت حالياً بعض الدعوات من صنّاع رأي قريبين من مراكز القرار تدعو للتفاوض مع الأمارات العربية المتحدة لإيقاف الحرب .. ويبدو أن هذه الدعوة تجد آذاناً صاغية من بعض مراكز القرار وصنّاعه في السودان.
ولكن تظل المعضلة الرئيسية أن دعوة الأمارات للتوسط لدى المليشيا لوقف الحرب .. وهذه ستكون الصيغة التي تقبلها الأمارات في أيّ مفاوضات معها لإيقاف حرب الجنجويد وهذه الصيغة تعني:
١/ الاعتراف ضمناً بأن الأمارات ليست شريكاً في هذه الحرب بالرغم من الأدلة المادية وتصريحات القيادات السياسية والدبلوماسية وشكوى السودان لدى محكمة العدل الدولية .. مما يشكّل طعناً في المصداقية الأخلاقية لحكومة السودان وأجهزتها.
٢/ طلب السودان من الأمارات التوسط لدى المليشيا لوقف الحرب يعنى عملياً سقوط أي حقوق في تعويضات أو خلافه من الأمارات بسبب شراكتها المليشيا في هذه الحرب المدمرة وينتج عن ذلك ضياع الحقوق الخاصة والأرواح والدماء ودمار البنية التحتية وتعطيل مقدرات البلد الاقتصادية وكل الخسارات الناجمة عن ذلك والتي أدّت لخفض الناتج القومي الإجمالي للسودان والخسائر المليارية في الاقتصاد
٣/ الدخول في وساطة ومفاوضات مع المليشيا المجرمة برعاية الأمارات يعني أن تخرج المليشيا وحاضنتها السياسية والقبلية بمكاسب سياسية واقتصادية ومالية مكافأة لهم على شنّ هذه الحرب التدميرية على السودان وشعبه
٤/ كما أن الجيش (وليس البرهان وبعض مساعديه) والقوات المساندة (حركات الكفاح المسلح وكتائب المجاهدين) لن يقبلوا بهذا العرض الرديء .. أو أي اتفاق مع المليشيا بوساطة أماراتية لذا ستكون أيٍّ مفاوضات مثل هذه انتحاراً سياسياً لمن يقوم به ..
أنا أرى أنه لن يجدى مع الأمارات إلا المعادلة الحوثية فقد طالت الصواريخ والمسيرات الحوثية الأمارات في عقر دارها ودمّرت مستودعات وقود شركة أدنوك في أمارة أبوظبي في يناير ٢٠٢٢ ومنذ ذلك التاريخ كفّت الأمارات أذاها عن الحوثيين .. وتبيّن لها أنّ بيتها من زجاج وأنّ الخير كل الخير في عدم قذف الآخرين بالحجارة
إجراء أي مفاوضات مع دولة الأمارات والسعي لوساطة معها وخنوع لها وركوع فلن يجدي مع هذه الدويلة ولن يؤدّي إلا إلى فقدان القرار السوداني ورهنه لدولة الأمارات وسوء المآل وسيعود بالعار والشنار على كل من يرضى به ويسعى لحدوثه أو يروّج له.