قراءة تحليلية لخطاب رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس: “حكومة الأمل.. بين الطموح والواقع” بقلم:عصام حسن علي
عمق المشهد
قراءة تحليلية لخطاب رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس: “حكومة الأمل.. بين الطموح والواقع”
بقلم:عصام حسن علي
في خضمّ واقع مأزوم يرزح تحته السودان جرّاء حربٍ طاحنة وانهيار مؤسسات الدولة، خرج رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس بخطاب وُصف بأنه تأسيسي، أعلن فيه ملامح “حكومة الأمل المدنية”، مقدِّمًا تصورًا شاملًا لنموذج حكم بديل، يقوم على قيم النزاهة والكفاءة والشفافية، في مقابل ما وصفه هو نفسه بـ”محاصصة حزبية وطائفية أرهقت البلاد وأخّرت بناء الدولة”.
ابتدأ الدكتور كامل إدريس خطابه بعكس تطلعات لإعادة بناء دولة تليق بشعبها، ويقدم ما يشبه “عقدًا جديدًا” بين الحكومة والشعب، عنوانه “الأمل”.
السمات الثلاث التي ركز عليها الخطاب (الصدق، الأمانة، العدل) جاءت مغلفة باستشهادات دينية، في إحالة واضحة إلى أهمية بناء شرعية أخلاقية وقيمية للحكم، تُقنع المواطن المتدين بطبعه بأن هذه الحكومة ليست كسابقاتها.
تشخيص مباشر وموجع للأزمة السودانية
بصراحة لافتة، لخّص رئيس الوزراء جذور أزمات السودان في خمسة أسباب محورية:
1. غياب الكفاءة في التوظيف.
2. ضعف الإدارة والقيادة.
3. انعدام العدالة في التنمية وتوزيع السلطة.
4. تفشي الفساد.
5. غياب ثقافة قبول الآخر.
هذا التوصيف يمثل “خارطة تشخيص” عقلانية لمشاكل الدولة السودانية منذ الاستقلال، وهو ما يُحسب للخطاب، إذ تخلى عن المواربة، وذهب مباشرة إلى صلب الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة.
حكومة تكنوقراط مستقلة بلا انتماء حزبي
إحدى أبرز ملامح “حكومة الأمل” كما وصفها إدريس، أنها “لا حزبية”، أي إن وزرائها لا ينتمون لأي تنظيم سياسي. هذه المقاربة، رغم مثاليتها، تطرح تساؤلات جوهرية:
هل يمكن بناء حكومة فاعلة في بيئة سياسية مشحونة بالصراع والولاءات دون سند سياسي تنظيمي؟
هل يمكن لمثل هذه الحكومة أن تحظى بدعم شعبي ومؤسسي فعلي في بلد تتقاسمه أحزاب متجذرة في السلطة؟
رؤية الدكتور كامل هنا تتجه إلى تجاوز المعادلات السياسية القائمة وإعادة صياغة مركزية السلطة بناءً على الكفاءة، لكن التحدي الكبير هو في مدى واقعية هذه الرؤية في السياق السوداني.
هيكل وزاري طموح وشامل
تضمن الخطاب عرضًا تفصيليًا لهياكل الحكومة المقترحة، والتي تشمل 22 وزارة، تُعنى بقطاعات الاقتصاد، التعليم، الصحة، البيئة، الشباب، البنية التحتية، العدالة وغيرها، إضافة إلى إنشاء أجهزة جديدة مثل:
هيئة النزاهة والشفافية
المجلس القومي للتخطيط الاقتصادي والاستراتيجي
الجهاز القومي للاستثمار
هذا الطرح يعكس إيمانًا عميقًا بالتخطيط المركزي، وبأن الإصلاح المؤسسي يبدأ من البناء الهيكلي للدولة، لكن نجاح هذا النموذج مشروط بوجود إرادة سياسية حقيقية وموارد كافية لتفعيله.
دعوة مفتوحة للكفاءات الوطنية
في سابقة نادرة، دعا رئيس مجلس الوزراء الكفاءات المستقلة من داخل وخارج السودان للتقديم عبر قنوات رسمية ليكونوا جزءًا من مشروع “حكومة الأمل”. هذه الدعوة تعكس توجهًا نحو إشراك الطيف الأوسع من السودانيين في إعادة بناء الدولة، بعيدًا عن قيد الانتماء السياسي أو الجهوي. لكنها في الوقت ذاته تفتح تحديًا كبيرًا يتعلق بآلية التمحيص والاختيار وضمان النزاهة في التعيينات.
الأمل في وجه المحاصصة
من الواضح أن الدكتور كامل إدريس يسعى لفصل جذري بين مفهوم الدولة وممارسات “الكيانات السياسية المؤدلجة” التي أضعفت مؤسسات الدولة. يرفض المحاصصة والمحسوبية، ويراهن على النهوض بالبلاد من خلال إدارة علمية لا تقوم على الولاء بل على الكفاءة.
غير أن هذه الرؤية، لكي تُنفَّذ، تحتاج لتحالفات سياسية واجتماعية صلبة، وإجماع وطني يتجاوز الانقسامات، وهو ما لا يظهر أنه متحقق حاليًا، لا سيما مع استمرار الحرب الحالية وتعدد مراكز القوة في البلاد.
بين المثالية السياسية ومتطلبات الواقع
خطاب رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس يقدّم رؤية مثالية وعالية الطموح للدولة السودانية، تقوم على التحديث، الشفافية، والمهنية. وهو يشبه في بنائه وإيقاعه “خطاب دولة حديثة”، وليس مجرد إعلان عن تشكيل حكومة.
إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في “الترجمة الواقعية” لهذا الخطاب، داخل بيئة متصدعة، تعاني من انقسام سياسي ومجتمعي عميق.
“حكومة الأمل” قد تكون ما يحتاجه السودان، لكن السؤال الأهم: هل لدى الدكتور كامل إدريس وحكومته الأدوات والقدرة على تحويل هذا الأمل إلى واقع؟
الزمن، وحده، كفيل بالإجابة.