منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

✒️ صهيب حامد *الحرب الإيرانية-الإسرائيلية.. إنعطافة التاريخ الأخيرة في حقبته الإمبريالية الأمريكية!!. (٣-٥)*

0

✒️ صهيب حامد

*الحرب الإيرانية-الإسرائيلية.. إنعطافة التاريخ الأخيرة في حقبته الإمبريالية الأمريكية!!. (٣-٥)*

صهيب حامد

حسناً.. وكما أسلفنا في الحلقة السابقة فإن أهم نتائج التخلص من المنظومة الجيوسياسية التي يعرفها العالم اليوم بالجمهورية الإسلامية في إيران (Islamic Republic of Iran) بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل سوف يكون إعادة هندسة المنطقة بما يضمن خنق دولة (الباكستان) ومحاصرتها تمهيداً لإضعافها كمنافس إقليمي للهند ومن ثم إسقاط منظومتها السياسية بإستخدام كرت الأقليات (البلوش) الذين يحتلون ما يقرب من نصف مساحة دولة الباكستان ثم أخيراً نزع سلاحها النووي!!. بعدها وبإستخدام التربص الإستراتيجي سوف يتم القيام بضعضعة الدولة الصينية التي تلتصق بحليفتها الحالية (دولة الباكستان) من الناحية الشمالية الشرقية عبر إقليم شينقيانغ ، وذلك بإستخدام نقطة ضعف الدولة الصينية المعاصرة وهي (كرت الأقليات) كذلك. فإن حدث ذلك فإنّ تغيّراً في الوضع الجيوسياسي والجيوإستراتيجي سوف يجتاح المملكة الوسطى (Zhong Guo) والتي ورثتها المنظومة السياسية التي يعرفها العالم اليوم بجمهورية الصين الشعبية (PRC). الصين كتقسيم (جيوديمغرافي) تنقسم لقسمين كبيرين عبر خط وهمي وهو خط خايخا-تينغجونغ (Heihe—Tengchong line) ، الجزء الغربي منه (يعادل ٥٧٪ من مساحة الصين) ويضم كل من نينشيا وشينقيانغ والتبت وهي مناطق يقطنها ٦٪ فقط من سكان الصين وأغلبهم من المسلمين الخوي (Hui) والمسلمين الإيغور (Uyghurs) والتبتيين (Xizang ren) وهي أقاليم ضمت للصين في عهد حكم عائلة شينغ (Qing dynasty) التي حكمت الصين منذ منتصف القرن السابع عشر إلى العام ١٩١١م. أما الجزء الشرقي من الصين والتي يقطنها ٩٤٪ من سكان الصين وهم من عرق الهان (Han ren) ، بيد أنها تضم فقط ٤٣٪ من المساحة الكلية للبلاد!!. لقد طفق الغربيون يسمون هذا الجزء الشرقي من الصين في الدراسات الأكاديمية والأبحاث والصحف الحديثة بالصين الأصلية (China proper) ، وهي تسمية تماحكية خبيثة لترسيخ أن الصين ليست سوى ال١٨ إقليم الموروثة من أسرة مينغ (Ming dynasty) من عرق (الهان) التي حكمت قبل (أسرة شينغ) من عرق (المانشو) وهذه الأخيرة التي في عهدها تم ضم كل من التبت والشينقيانغ. وهكذا كي ندرك الحلم الغربي في تقليص الصين فقط إلى جزءها الشرقي والذي يضم فقط عرق (الهان) وهي المجموعات التي إتخذت حوضي كل من نهر اليانغسي (yangze) والنهر الأصفر (yellow river) كمهد حضاري (Craddle of civilization) ، حيث يشكل هذين الحوضين في الصين ما يعرف بالسهول الوسطى (Zhong yuan). إذن قيام منظومة جيوسياسية موالية للغرب في الشق الغربي والجنوبي الغربي للصين هو رهان إستراتيجي لتقسيم الصين غرب خط خايخا-تنغجونغ عن الصين شرقه وذلك بتحريك ثورات الإيغور ومواطني التبت (تحتضن الهند اليوم قائدهم الروحي الدالي لاما) ضد بيكين مما سوف يجعلها تلتفت غرباً صوب التهديد الجديد بدلاً عن الإنخراط شرقاً (حلم تحرير تايوان)!!. لذا فإن بيكين على وعي محيط بالرهانات الإستراتيجية لهذه الحرب ، أولاً إسقاط النظام الإيراني ومن ثم الإقتراب الإستراتيجي من تخوم الصين الغربية وهو عين ما خطط له الغرب في أوكرانيا لولا الإرادة الصارمة لروسيا وقدرتها على دحر المخطط !!.

ذلك من جانب ، ولكن ما تأثير هذه الحرب على الشرق الأوسط ودوله المركزية الأخرى إلى جانب إيران (مصر ، تركيا ، السعودية). فهل تنظر هذه الدول لهذه الحرب كتربص إستراتيجي بها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل تمهيداً لإعلان السيادة الكاملة للغرب على المنطقة إستباقاً للصين وروسيا!!؟. فقطعاً أن إستهداف الولايات المتحدة وإسرائيل لإيران هو إستهداف لدورها كقوة إنتشار تاريخي لها رسالتها وعمقها الثقافي وإرادة لا رجعة فيها لتحقيق طموح ومصالح شعبها. ولكن كذلك فإن كل من مصر وتركيا هما كذلك قوى إنتشار تاريخي لا يقلان شأناً عن إيران إن لم تتجاوزها. فتركيا مثلاً هي وريثة أكبر إمبراطورية إسلامية (العثمانية) دحرت الإمبراطورية البيزنطية قبل أكثر من ٦٠٠ سنة ، وليس ذلك فحسب بل لم تزل تركيا تحتفظ بذات النَفَسْ الأيديولوجي العقائدي وكذلك الطموح الإمبراطوري في المنطقة لتحقيق طموح ومصالح ٩٠ مليون تركي (نفس تعداد إيران) بناتج محلي إجمالي يبلغ ١.٤ ترليون دولار وهو ما يتجاوز الناتج المحلي الإيراني كثيراً جداًالبالغ (463 مليار دولار) ، إلى جانب قدرتها التصنيعية خصوصاً في المجال العسكري مع امتلاكها أكبر جيش في المنطقة (٨٦٠ الف جندي)!!. نفس ذلك ينطبق على الدولة المصرية واحدة من أقدم الحضارات في المنطقة (الحضارة الفرعونية) بتعداد سكاني هو الأضخم (١٢٠ مليون نسمة) ، كوريثة للإمبراطورية العلوية التي حكمت الجزيرة العربية والسودان والقرن الأفريقي وزحفت جيوشها مسيطرة على الشام لحقبة من الزمن بل كادت أن تغزو (إستانبول) نفسها في يوم من الأيام. مصر هي عدو إستراتيجي لإسرائيل وقد خاضت في مواجهتها ثلاث حروب منذ إغتصابها لفلسطين في ١٩٤٨م.

لقد دفعت مصر بتوقيعها على كامب ديفيد مع إسرائيل (١٩٧٨م) ثمنين إستراتيجيين باهظين بمعزل عن مكاسبها من الإتفاقية. الأول هو خروج مصر من معسكر المقاومة بله تخليها عن دعم الفصائل الفلسطينية وعزلتها التي إستثمرتها الدولة الإيرانية بعد قيام الثورة الإسلامية هناك في ١٩٧٩م ، أمّا الثمن الثاني هو الدخول في عهد المحور الأمريكي في المنطقة والذي وإن أعطي مصر دفقة إقتصادية وعسكرية وهو أمر حدث ضمن توازن دقيق كان ضامناً للتفوق الإستراتيجي لإسرائيل بالمنطقة (تُمنح إسرائيل بشكل غير مشروط أسلحة تتفوق بجيلين عن الأسلحة التي تمنح لمصر في إطار دعم مشروط بعدم إستخدامها ضد إسرائيل!) وهو ما تدفع مصر ثمنه اليوم ممثلاً في تقليص دورها وأمنها بل حتى وجودها. ولكن يبدو أنّ هناك مؤشرات مؤكدة أنّه حتى وقبل عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م قد أدركت مصر خطل وخطر التوارن الإستراتيجي بالمنطقة نتيجة إتّباعها الأعمى لكامب ديفيد وهو ما دفعها فيما بعد للتعاون مع إيران في دعم فصائل المقاومة بقطاع غزة وقد تمثل ذلك في تسهيل تمرير السلاح إلى أنفاق القطاع إنطلاقاً من سيناء. لقد كشفت مصر مخططات أمريكية-إسرائيلية تهدف لإضعافها أولها مشروع دعم خزان النهضة الإثيوبي الذي يهدف لتعطيش الدولة المصرية بسكانها البالغين ١٢٠ مليون نسمة ، ثم ثانياً محاولة السيطرة على السودان عبر مخطط إماراتي كاد أن ينجح ، وثالثاً وفي ثنايا ذلك إتفقت كل من الولايات المتحدة والهند والإمارات والسعودية وإسرائيل والإتحاد الاروبي على التوقيع في ٢٠٢٣م بنيودلهي على مشروع الممر الهندي الأوسطي الأروبي (IMEC) الذي يؤدي للإستغناء عن قناة السويس عبر المرور من سواحل الهند من بحر العرب إلى الإمارات ومنها عبر البر مروراً منها إلى السعودية ومنها لإسرائيل على شواطئ غزة لإقامة أكبر مرفأ (أسماه الرئيس ترمب بمشروع الريفيرا) ومنه إلى أروبا ، وهو ما سوف لا يحوج البضائع القادمة من آسيا والخليج أو العكس المرور عبر باب المندب (لتفادي الخطر الحوثي) وقناة السويس (لخنق مصر إقتصادياً وتقليل مكانتها الجيوسياسية) ، وكذلك لتحقيق هدف جيوستراتيجي آخر وهو إلحاق الأذى بالمشروع الصيني المعروف (مبادرة الحزام والطريق). إذن هنا يصبح التقارب الصيني المصري الإيراني قبيل إنطلاق هذه الحرب مبرراً وضرورياً وإستراتيجياً.. نواصل.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.