*الخرطوم والعودة إلى الحياة* .. بقلم د.إسماعيل الحكيم..
*الخرطوم والعودة إلى الحياة*
.. بقلم د.إسماعيل الحكيم..
*Elhakeem.1973@gmail.com*
إن من لحيظات التأريخ المشرقات أن تعود الخرطوم إلى ألقها وبهاءها بعد خراب متعمد لحق بها فأحالها إلى جماد ونزع عنها كل حُسن .. حتى غدت مطموسة المعالم كئيبة الوجه ..وبعد تحرير العاصمة الخرطوم من قبضة التمرد والانفلات، أصدر الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قرارًا شجاعًا بتكوين لجنة عليا لتهيئة البيئة لعودة مؤسسات الدولة إلى الخرطوم ومن ثم عودة مواطنيها إليها ..ويأتي هذا القرار لا يحمل في طياته بُعدًا إداريًا فحسب، بل يُمثل نقطة تحوّل عميقة في مسار استعادة الدولة السودانية لعافيتها وهيبتها، ويكشف عن عزم القيادة على إعادة الروح إلى قلب الوطن.
فالخرطوم ليست مدينة جغرافية الموقع ، إنما هي ذاكرة السودان وهويته السياسية والثقافية وفيها تتقاطع شرايين الدولة الحيوية من وزارات سيادية، ومؤسسات خدمية، وبنى تحتية تُعد الأكثر تأثيرًا في مسار التنمية والنماء. إنها العاصمة التي طالما حملت أحلام السودانيين وآمالهم، وآن لها أن تنهض من تحت الرماد، وقد تحررت من دنس مليشيا آل دقلو المتمردة.
قرار البرهان جاء في وقته تمامًا إذ لا مجال لتأجيل المعركة الكبرى معركة البناء والإعمار. فالمعركة العسكرية مهما بلغت شراستها، لا تكتمل إلا بالمعركة التنموية واسترداد هيبة الدولة يبدأ من استرداد عاصمتها – ليس بالأمن وحده ، بل بعودة الحياة وعودة الموظفين وبرجوع الإعلام الرسمي وانبلاج الحركة الاقتصادية وبتعافي النبض الشعبي.
ولعمري إن مهمة هذه اللجنة ليست باليسيرة. فإنها أمام تحدٍ تاريخي عريض يتجاوز إزالة الركام إلى إعادة الثقة وإحياء الطموح وبناء عاصمة تتسع للجميع – دولةً ومجتمعًا، مؤسساتٍ وأحلامًا.
فالنجاح لا يكون بالتمني، بل بالتفكير المختلف، والاقتباس من التجارب الملهمة. فقد سبقتنا دول نهضت من تحت ركام الحرب وأزيز الرصاص ، وأعادت بناء عواصمها أقوى من ذي قبل، يوم امتلكت إرادة التغيير، وشجعت طاقات شبابها، واستثمرت في مبادرات مجتمعها المدني.
ومن هنا فإن أول خطوة يجب أن تبادر بها اللجنة، أن تتخذ من الخرطوم مقرًا رسميًا لها ، لا رمزًا فحسب، بل إعلانًا للعالم أن العاصمة تعود لأهلها. وأن تستعين في مهمتها بكل ذي خبرة ودراية، وتفتح الباب واسعًا أمام مبادرات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتطلعات الشباب السوداني الذي أثبت في كل المحطات أنه وقود التغيير وركيزة البناء وواجب هذه اللجنة أن تفتح ذراعيها لتحتضن كل جهد وتستقبل كل قادم إليها ..
إن ما ينتظر الخرطوم اليوم ليس ثمة إعمار طرق ومباني ولكن بناء ذاكرة جديدة، وهوية متجددة لعاصمة تتعافى بعد جراح، وتقف من جديد لتقود الوطن نحو غد أفضل.
لقد أعاد القرار الأمل في النفوس وجدد العزيمة في الدواخل فعلينا أن نحوله إلى واقع ملموس . والخرطوم تستحق منا كل جهد، لأنها ليست العاصمة فحسب ، إنما هي رمز السودان ومجد الآباء وبوابة إفريقيا وابعد من ذلك فهي موعوده الأبدي نهضة وعمارة وجغرافيا ..