منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خبر وتحليل : عمار العركي *خطاب السودان في الأمم المتحدة.. ما قيل وما لم يُقَل*

0

خبر وتحليل : عمار العركي

 

*خطاب السودان في الأمم المتحدة.. ما قيل وما لم يُقَل*

 

* اعتلى د. كامل إدريس منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاملاً خطاب السودان للعالم. في الشكل، كان الخطاب قويًّا في لغته، إنشائيًا في بلاغته، مؤثرًا في تصوير المأساة: مدن محاصرة، أطفال تائهون، نساء منتهَكات، وشعب يواجه أبشع صور الإبادة والتهجير. في المضمون، حمّل مليشيا الدعم السريع كامل المسؤولية، وطالب بوقف تدفق السلاح والمرتزقة، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2736 برفع الحصار عن الفاشر، بل ذهب أبعد بدعوته لتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية.
* لكن، وهنا لبّ النقد، اكتفى الخطاب بالمطالبة العامة، بينما غابت عنه تسمية الأشياء بأسمائها. من يموّل المليشيا؟ من يفتح لها ممرات السلاح والمال؟ من يحميها دبلوماسيًا في أروقة مجلس الأمن؟ كان على كامل إدريس أن يواجه العالم بهذه الأسئلة مباشرة، ويضعه أمام مسؤولياته، بدلاً من الاكتفاء بتوصيف المأساة.
* العالم، كما ذكرت في مقالي السابق، يعرف حجم الكارثة في السودان، لكنه يتعامل معها ببرود، بل أحيانًا بازدواجية فاضحة. القرار 2736 الصادر قبل عام، ظل حبرًا على ورق. والسبب أن القوى الكبرى لم تجد من يلزمها، أو يفضح تواطؤها وصمتها، أو حتى يحرجها بتسمية حلفاء المليشيا الإقليميين الذين يضخون المال والسلاح عبر الحدود.
*_ما لم يُقَل في الخطاب أهم مما قيل_ :*
* لم يشر إدريس إلى الدور الإماراتي الذي تتواتر التقارير الدولية والإقليمية على كونه الداعم الأول للمليشيا بالمال والسلاح والغطاء السياسي، وهو ما أكدته فورين بوليسي والجارديان بتوثيق تدفقات الذهب والسلاح عبر الإمارات.
* لم يضع العالم أمام مسؤوليته في مراقبة تدفقات المرتزقة من الإقليم الإفريقي، خاصة من تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، وهي وقائع أوردها تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة حول السودان.
* لم يسائل مجلس الأمن عن ازدواجية المعايير، حيث تُنفَّذ القرارات بسرعة في أزمات أخرى بينما يُترك السودان للنزيف.
* لم يستخدم ورقة المهدد الإقليمي والدولي بوضوح كافٍ، رغم أنها الحقيقة الأكثر إقناعًا للعواصم الكبرى: أن استمرار هذه الحرب يفتح الباب لتصدير الفوضى والإرهاب عبر الإقليم كله.
* كان المطلوب أن يتحول خطاب السودان من مجرد رواية للضحايا إلى خطاب اتهام مباشر، يضع العالم أمام عجزه وتناقضاته، ويدعو صراحة إلى وقف تدخلات الدول التي تُطيل أمد الحرب. فالتجربة السورية شاهدة: الحرب هناك لم يُنهها الداخل بل التدخل الخارجي الذي أشعلها ثم أطفأها، وهو السيناريو الذي يتكرر اليوم في السودان مع فارق اللاعبين.
* وهنا لا بد من التذكير أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست مجلس الأمن الخاضع لحسابات الفيتو والمصالح الضيقة، بل منبر حر يُفترض أن يُعبّر عن ضمير الإنسانية وصوت الشعوب. ولهذا كان على خطاب السودان أن يتحرر من لغة الدبلوماسية المقيّدة، وأن يخاطب العالم بلسان الضحايا، مسمّيًا المجرمين ومفضحًا الممولين، لا أن يكتفي بالبلاغة والتوصيف.
* مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الخطاب حقق خطوة مهمة: ثبّت رواية الدولة السودانية، وأعاد تعريف المليشيا كجماعة إرهابية لا كشريك سياسي، وأكد التزام الحكومة المدنية بالانتقال والديمقراطية. لكنه ظل، برغم زخمه، أضعف من أن يهزّ صمت المجتمع الدولي أو يكسر جدار المصالح الذي يحمي المليشيا.
*_خـلاصــة القول ومنتهاه_* :
* ما قيل كان صرخة ضمير، أما ما لم يُقَل فكان السلاح الحقيقي الذي كان يمكن أن يحرج العالم ويدفعه للتحرك. السودان لا يحتاج إلى خطاب وجداني بقدر ما يحتاج إلى خطاب اتهامي، يربط الدم السوداني بالبصمات الإقليمية والدولية التي تغذّي المأساة. وها هنا التحدي الأكبر: أن تُوجَّه الرسالة لا فقط للحكومات المتواطئة أو العاجزة، بل لشعوب العالم أجمع؛ فدماء السودانيين ليست أقل قيمة من دماء غيرهم، وما يجري ليس حربًا أهلية معزولة، بل جريمة مكتملة الأركان تُرتكب تحت سمع وبصر المجتمع الدولي.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.