منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*السودانيون في مصر حين يهرب الجسد من الحرب وتبقى الحرب داخل الروح* كوداويات ✍️ محمد بلال كوداوي

0

*السودانيون في مصر حين يهرب الجسد من الحرب وتبقى الحرب داخل الروح*

 

كوداويات ✍️ محمد بلال كوداوي

كودا

 

لم يكن اللجوء يوماً عيباً
ولم يكن الهروب من بلدٍ مشتعل جريمة
لكن الجريمة الكبرى أن تحمل معك نار الخراب أينما ذهبت
وتشعل بها دنيا الآخرين.

في مصر أم الدنيا
أرض الأمن والبشر الطيبين
وجد كل لاجئي العالم ملاذاً
السوري بنى مشروعه
اليمني فتح مطعمه
الليبي دوّر على بداية جديدة .
الصومالي التقط أنفاسه.

الجميع عاش بهدوء
إلا نحن.
نحن السودانيين
جئنا من بلدٍ يحترق
لكن بعضنا نسي الحريق على عتبة المعابر
ودخل القاهرة وكأنه داخل مهرجان فرح لا وطن وراءه يحترق .

تحوّل اللجوء عند البعض إلى سياحة وفوضى
وإلى صخب يجرح صورة شعب كان يُعرف بالحكمة والوقار .
قونات وسهرات ورقص خليع .
عمليات تجميل
نفخ وشفط ووشوم
إنفلونسرز تافهون يصنعون دراما رخيصة أمام كاميرا الهاتف
بازارات تكشف ما كنا نخجل من إظهاره
بنات وشباب ضائعون بين كافيهات وسط البلد ولايفات الفيسبوك.

ثم جاء الأسوأ
الوجه القبيح الذي لا يمكن تغطية رائحته
صرنا نستأجر البلطجية.
ونؤسس عصابات.
وننتقم من بعضنا البعض في شوارع مصر.

نعم… السوداني
ابن البلد الطيب
الذي كان يُعرف بأنه أخو أخوان
أصبح اليوم عند البعض
يستأجر مجرماً ليضرب سودانياً آخر
أو ليكسر عربيته
أو ليُرهب أسرته
أو ليُصفي حسابات تافهة كان يفترض أن تُدفن في تراب الوطن لا تُنقل إلى شوارع الناس.

صرنا نجرّ بلدنا معنا
جرائم صغيرة هنا تعكس جرائم أكبر هناك.
كأن الخراب الذي أكل السودان
قرر أن يسكن في قلوبنا قبل أن يسكن في جغرافيتنا.

لماذا؟
حين يسأل المصريون باستغراب
“ليه السودانيين عاملين كده؟ بلدكم مولّعة وانتو…؟”

لا نملك جواباً نظيفاً.
لأن الحقيقة مُرّة حدّ البكاء .

نحن شعبٌ ضيّع نفسه قبل أن يضيّع دولته.
نحن الذين صنعنا كيزاننا
ونحن الذين صنعنا قحاتنا
ونحن الذين صنعنا جنجويدنا
وجنرالاتنا
ومجرمينا
ومحرضينا
وسماسرتنا
ونحن من صنعنا لايڤات الكراهية التي شوّهت صورتنا.

ليس هناك احتلال.
ليس هناك أجنبي خرب البلد.
نحن الذين خربناها
ونحن الذين نحمل هذا الخراب معنا كالعدوى.

السوداني اليوم لاجئ بجسد عابر لكنه مُحتل بروحه .

هربنا من الخراب .
لكن الخراب لم يهرب منا.
يسكن في كلامنا
في سلوكنا
في صراعاتنا
في الانتقام الجبان الذي وصل حدّ استئجار البلطجية على أرض ليست أرضنا.

أيُّ سقوطٍ أخلاقي هذا؟
كيف تحوّل أبناء النيل
الذين كانت تُضرب بهم الأمثال في الأدب والمروءة
إلى عصابات تتصيد بعضها البعض في المنفى؟

أية لعنة لحقت بنا حتى نصبح هكذا؟

يا مصر… سامحينا
سامحينا إن رأيتِ فينا ما لا يشبه تاريخنا.
سامحينا إن حمل بعضنا الحرب إلى شوارعك.
سامحينا إن رأيتِ من السودانيين وجهاً ليس وجههم الحقيقي.

فليس كلنا هكذا.
ليس كلنا فوضى.
ليس كلنا خراباً يمشي.
لكن بعض الفساد صوتُه أعلى من الأخلاق.

وفي النهاية… الحقيقة التي نهرب منها
السوداني اليوم في مصر وفي غيرها
يعيش بلا وطن
لكن الأسوأ أنه يعيش بلا بوصلة.

وطننا احترق وما زال يحترق
لكن الذي يحترق أكثر هو ما تبقى من أخلاقنا.
وإذا ضاعت الأخلاق
فلا علمٌ ينفع
ولا حدودٌ تحمي
ولا جمهورية تُبنى فوق ركام النفوس.

اللهم ألّف بين القلوب
واهزم الشر الذي في داخلنا قبل الشر الذي في الخارج
ولا تجعلنا عاراً على أرض مباركة تستضيفنا
ولا وبالاً على وطن ينتظر.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.