متى تفتح المدارس أبوابها في السودان؟
في ظل الأوضاع التي يعيشها الشعب السوداني، ومع قرب العام الدراسي الجديد، يواجه الجميع تحديات كبيرة أبرزها التجهيز للعام الجديد من رسوم مدرسية وتوفير ثمن الكتب، وحتى ما يحتاج إليه الطالب من أدوات مدرسية كالأقلام والحقائب والزي المدرسي.
عدد كبير من السودانيين توقع أن تؤجل المدارس فتح أبوابها لما تمر به البلاد عامة، والخرطوم بخاصة، من ظروف القتال بين قوات “الدعم السريع” والجيش السوداني، إذ تضررت مئات المدارس في أنحاء البلاد، بعضها هدم من جراء القصف، وأخرى أصبحت ملاذاً للنازحين، وثالثة لم تعد مؤهلة بسبب الأمطار، فضلاً عما يعانيه قطاع التعليم في السودان منذ سنوات من إهمال وتجاهل.
وفي ظل الصراع واحتدام المعارك ونزوح الملايين إلى الولايات الآمنة والآلاف إلى دول الجوار يأتي السؤال: متى تفتتح المدارس أبوابها في السودان؟
ضريبة الحرب
تنتظر وزارة التربية والتعليم عقد اجتماع في الأيام المقبلة للإعلان عن مواعيد بدء العام الدراسي، وتسعى إلى الالتزام بها في جميع مراحلها التعليمية وبجميع الولايات على رغم الأحداث التي تمر بها البلاد حالياً.
وقال المسؤول الإعلامي بوزارة التربية والتعليم ياسين الترابي إن “توقيت عمل المدارس الحكومية والخاصة بولاية الخرطوم سيكون في سبتمبر (أيلول) مع اختلاف المواعيد في المدارس الدولية”.
وأكد الترابي أن “أسعار المدارس الحكومية ثابتة، ولن تتغير، فالتغيير يأتي دائماً بالمدارس الخاصة التي تعتمد على سعر الدولار لتحديد رسوم العام الدراسي، لكن الوزارة تحرص على وضع الرسوم المناسبة، وتلزم المدارس بعدم وضع أسعار تعجيزية”.
العملية التعليمية في السودان باهظة الكلفة مقارنة بدول الجوار، ففي الوقت الذي تتميز فيه المدارس الحكومية بأسعار مناسبة وملائمة لظروف أولياء الأمور المعيشية، فإنهم لا يفضلون إرسال أبنائهم إليها لأسباب عدة، أبرزها بيئة الدراسة المتدنية وسوء المعاملة وضعف الأساتذة، وهو الوضع السائد في معظم المدارس الحكومية للمرحلة الابتدائية، بينما تتميز المدارس الحكومية (النموذجية) للمرحلة الثانوية بأنها الأفضل، ويتنافس الطلاب في المرحلة المتوسطة للالتحاق بها، حيث تضم معلمين أكفاء وبيئة دراسية جيدة وتعليماً بسعر رمزي.
يقول المتخصص التربوي الصادق عبدالعزيز، إن “التعليم الخاص في السودان أصبح وجهة لأكثر من 70 في المئة من السودانيين، حيث يعمل الآباء والأمهات على إرسال أبنائهم إلى مدارس خاصة مهما كلف الأمر بحثاً عن التعليم الجيد، وتتراوح أسعار المدارس الخاصة في السودان بين ألف دولار وخمسة آلاف، وكلما انتقل الطالب إلى مرحلة أعلى زادت الرسوم الدراسية”.
ويضيف عبدالعزيز، “أولياء الأمور يفضلون المدارس الخاصة لأسباب منطقية، أبرزها سوء بيئة المدارس الحكومية التي نجدها غير مؤهلة ولا توفر الكتاب المدرسي لكل طالب على حدة، حيث يتم إشراك أكثر من طالب في الكتاب الواحد، مع إهمال واضح للغة الإنجليزية التي يتم إدخالها بعد الصف الرابع في الوقت الذي يجري إدخالها بالمدارس الخاصة منذ التعليم قبل المدرسي (رياض الأطفال)”.
وعن تحديات فتح المدارس في ظل الأوضاع الحالية يقول عبدالعزيز، “في ظل استمرار الصراع المسلح ونزوح الملايين إلى ولايات مجاورة وفقد ملايين آخرين لوظائفهم إلى أن أصبحوا عاجزين حتى عن توفير طعامهم، ناهيك بأقساط المدرسة، كان يجب الانتظار حتى عام كامل لأن الظروف الحالية ستجعل بعض الناس يرسلون أبناءهم إلى المدرسة، بينما الغالبية لن تستطيع، ولا فائدة من سير العملية التعليمية في ظل الأوضاع النفسية السيئة التي يعيشها الأهالي الذين خرجوا من منازلهم وتركوا أمتعتهم وكل ما يملكون، هذا الأمر سيسبب فروقاً بين الطلاب الذين سيتأثرون بما يحدث حين يذهب بعضهم إلى المدرسة، بينما يتخلف آخرون في المنزل نفسه”.
وعن توقعاته لأسعار الكتب هذا العام يقول عبدالعزيز إنها “غير معروفة، ونحن نسعى إلى معرفة مدى توفرها، وليس أسعارها فقط، لأن الكتاب المدرسي يطبع في الخرطوم، وفي الوقت الراهن لا أمل في أن يتم توفير الكتاب المدرسي، مع عدم وجود سيولة نقدية لطباعته بالخارج”.
ويضيف أن “الدولة ووزارة التربية والتعليم يجب أن تضع خطة إسعافية الغرض منها مراجعة الرسوم الدراسية أو وضع حلول واضحة لعملية الدفع وأسعار المدارس وغيرها، مع تقديم تعليم حكومي يساوي التعليم الخاص لتشجيع أولياء الأمور على نقل أبنائهم للدراسة في مدارس حكومية، وضبط المصرفات الدراسية وتوحيد أسعارها وجعلها معقولة حتى لا تتأثر العملية التعليمية بظروف الحرب، مما سينتج منه تسرب مدرسي وعمالة أطفال وزيادة نسبة الأمية”.
حيرة أولياء الأمور
لم يتوقع أولياء الأمور أن يمر أبناؤهم بظروف شبيهة، وفي استطلاع رأي أجرته “اندبندنت عربية” أجمع عدد كبير منهم على أنهم يريدون أن تفتح المدارس أبوابها حتى يواصل الأبناء الدراسة مهما كانت الظروف، بينما قال آخرون إن فتح المدارس في هذه الظروف قد يكون مخاطرة بحياة الأطفال.
توضح النازحة من ولاية الخرطوم إلى ولاية الجزيرة هدى أشرف أن “المدارس يجب أن تفتح أبوابها لأن الحرب قد تستمر سنوات، فهل نحرم الطلاب من الدراسة كل هذه الفترة؟”. بينما يرى ولي الأمر حازم أبوبكر أن “فتح المدارس في هذه الظروف خطر على الطلاب الذين لم يخرجوا من الخرطوم، حيث يدور الاقتتال، وهؤلاء سيظلمون لأن مدارس العاصمة من المستحيل أن تفتح أبوابها في هذه الظروف”.
أقلام وكتب وزي مدرسي وغيرها من حاجات كل عام دراسي أصبحت مهددة بالوضع الاقتصادي والأمني في السودان، إذ لا توجد أسواق تفتح أبوابها الآن في العاصمة الخرطوم، بينما ساد الأسواق في ولايات السودان المختلفة الغلاء الفاحش لأن معظم ما يتم عرضه فيها مستورد من دول الجوار.
يقول سليمان سعيد، وهو صاحب محل أدوات مدرسية في ولاية مدني، إن “معظم الأدوات المدرسية يتم استيرادها بالعملة الصعبة، لذلك يجري بيعها بحسب سعر صرف الدولار حتى نستطيع مواصلة الاستيراد، وحالياً تتراوح الأسعار بحسب الجودة، إذ تبدأ كلفة الأدوات كاملة من خمسة آلاف جنيه سوداني (نحو ثمانية دولارات)، وحتى 20 ألفاً (33 دولاراً) للطالب الواحد. وهي أسعار جيدة بالنسبة إلى الأوضاع الحالية”.
أما ولي الأمر حازم أبوبكر، فيوضح أن “توفير مستلزمات الطالب الواحد تصل إلى 60 ألف جنيه سوداني (100 دولار)، ومن لديه خمسة أبناء في سن الدراسة يحتاج إلى 500 دولار لحاجات المدرسة فقط، ثم تأتي بعدها رسوم الدراسة التي تتجاوز 1000 دولار للطالب في المدارس الخاصة، فمن أين لنا هذا ونحن لا نعمل وتم نهبنا؟”.
انتشرت المدارس ذات المنهج السوداني في الخارج، وبخاصة في مصر، حيث فتحت أكثر من 10 مدارس سودانية أبوابها في القاهرة بعد زيادة عدد السودانيين المستقرين في البلاد أخيراً، حتى وصل إلى أكثر من خمسة ملايين مع دخول 750 ألفاً منذ بداية الحرب.
وتسعى المدارس السودانية في مصر إلى وضع رسوم دراسية معقولة، لكن هذا العام شهد رسوماً مرتفعة، حيث وصل سعر تسجيل الطالب الواحد في معظمها إلى 30 ألف جنيه مصري (ما يقارب 950 دولار)، بينما يبلغ سعر المدارس السودانية التي تدرس منهجاً بريطانياً 2000 دولار للطالب الواحد.
وتقول المتخصصة التربوية في مصر عائشة محمد إن “ارتفاع أعداد الطلاب في البلاد أسهم في رفع أسعار العام الدراسي، لكن السبب الأساس هو عدم استقرار الدولار، حيث تتجه المدرسة إلى زيادة الأسعار لتستطيع تغطية المصروفات ومرتبات المعلمين، ومعظم هؤلاء جاءوا من السودان، لذلك تقوم المدرسة بتوفير جميع حاجاتهم، خصوصاً السكن”.