*عروض مسرحية تدعم الصحة النفسية لنازحي السودان*
لدعم الفارين من ويلات حرب السودان، نشط عدد من نجوم الدراما في تقديم عروض مسرحية تهتم بقضايا الصحة النفسية في معسكرات إيواء النازحين بمدينة ود مدني بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، وتهدف الأعمال الفنية إلى توفير مساحة آمنة لبناء علاقات اجتماعية إيجابية وزيادة الثقة بالذات وتخفيف التوتر والضغوط وتحسين المزاج.
المسرحيات التمثيلية تبدو مثل ومضات من آلام السودانيين منذ بداية الصراع المسلح مروراً بأجواء القتال والقصف والتشرد والمعاناة في الخروج من العاصمة وانتهاءً بالأوضاع اليومية الصعبة في المعسكرات والأزمات المستمرة.
حياة وأمل
وفي مدينة ود مدني أكثر من 30 مركزاً لإيواء النازحين من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تضم الآلاف الذين يعيشون وسط نقص في الأغذية وظروف إنسانية بالغة السوء، وفق منظمات تطوعية.
تقدم المبادرة التي يقوم بها ممثلون سودانيون صورة مغايرة عن واقع القتل ورعب البنادق التي كونها الفارون من جحيم الاشتباكات المسلحة، من خلال مسرحيات بسيطة مليئة بالحياة والأمل والمستقبل المشرق، ولا يقتصر عمل الدراميين على تقديم الأعمال الفنية، بل يتعداه إلى اكتشاف المواهب ورعايتها وضمها إلى الفرق المسرحية عقب توقف الحرب، وتناقش المسرحيات قصصاً حقيقية عن أوضاع النازحين، إذ يشارك الممثلون في تجسيد شخصيات تعكس التحديات التي يواجهونها وكيفية الدعم والعلاج الذي يساعدهم في التعافي.
واقع وأمنيات
اعتبر الدرامي هجو خليل عثمان أن “المبادرة واحدة من أهم أدوات دعم الصحة النفسية للفارين من ويلات الحرب، وتسعى إلى تقديم رسائل عدة حول واقع النازحين وهمومهم وأزماتهم وأمنياتهم على خشبة المسرح، إذ يساعد الفن في التعبير عن المشاعر المكبوتة والمؤلمة، مما يسهم في تحسين الحال النفسية لكثيرين، إضافة إلى أن مشاهدة الأعمال الفنية تؤدي إلى التفاعل والشعور بالحرية من دون الخوف من الحكم أو الانتقاد”.
وأضاف أن “المبادرة قدمت الرسالة المنوطة بالمسرح، لا سيما في الوضع الذي نعانيه جراء الحرب لأن الفنون تقدم التوعية والدعم النفسي، وود مدني هي إحدى المدن التي استقبلت كثيراً من الوافدين من الذين تأثروا بالصراع المسلح وهم في حاجة ماسة لدعم معنوي لتجاوز المحنة التي ألمت بهم، ونجح فريق العمل في تقديم عروض نوعية في عدد كبير من معسكرات إيواء النازحين”.
وتابع عثمان أن “الأطفال وجدوا حظهم من الأعمال عبر مسرحيات تفاعلية هادفة باستخدام الدُّمى والعرائس والشخصيات الكرتونية من أجل التركيز على محاكاة عقول الصغار وغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم، وكذلك مخاطبة مشاعرهم وإثارة معارفهم وحسهم الحركي ونزع الخوف من قلوبهم الصغيرة للتأكيد أن الفن ليس ترفاً وإنما يمارس دوراً أصيلاً في المجتمع ويهدف إلى تعزيز ثقافة السلام وإيقاف الحرب”.
قصص ملهمة
واعتبرت إيمان حسن، إحدى المشاركات في الأعمال الفنية أن “مشاركتها في تقديم أعمال مسرحية للمرة الأولى خطوة ناجحة ومحفزة لأن هناك فراغاً قاتلاً في مراكز إيواء النازحين، وعندما تقل فرص العمل، تصبح الأنشطة الفنية وسيلة جيدة للاستفادة من الوقت على نحو مثمر وخلاق لأنها توجه الطاقة والموهبة ناحية الغايات المفيدة، وحتى لو لم تكن فناناً مدرباً أو محترفاً، فثمة أسباب وجيهة عدة للاشتراك في البرامج الثقافية”.
ونوهت إلى أن “الأعمال التي قدمتها برفقة الأطفال تتحدث عن لحظات فارقة بين الحياة والموت وعن فقدان كل شيء، وترسم بعض المسرحيات تفاصيل الحياة الجميلة قبل أن تتحول إلى جحيم بفعل حرب تأكل الأخضر واليابس، فضلاً عن معاناة النزوح من لحظات الخروج من العاصمة الخرطوم مروراً بتفاصيل أخطار الطرقات وصولاً إلى وجهات النزوح”.
وأردفت حسن “مع أن النشاطات الفنية ليست بديلاً عن العلاج النفسي والرعاية، فإن مجرد المشاركة في تقديم عروض مسرحية يسهم في التنفيس عن الشعور بالألم والتعبير عن مشاعر الفرحة للتصدي للذكريات القاسية وإيجاد طريقة للتخلص أحياناً من الأعباء التي ترهق كاهل آلاف الفارين من ويلات الصراع المسلح، إلى جانب إمكان نشر السعادة حتى في أجواء حياة مراكز الإيواء والقبول بواقع الفقر والتشرد”.
دعم ومناصرة
من جهتها أشارت الممثلة والمخرجة مزدلفة الحاج إلى أنه “على رغم وجود مسارح في مدينة ود مدني إلا أن القائمين على المبادرة قرروا تقديم العروض المسرحية داخل مراكز الإيواء لكي تكون قريبة من أوضاع النازحين الآتين من العاصمة الخرطوم لإبراز دور الفن الفاعل في التوعية بالصحة النفسية ومحاربة كل ما تصنفه منظمة الصحة العالمية ضمن الاضطرابات السلوكية أثناء الصراع المسلح”.
وأوضحت أن “المسرح يعد من أدوات العلاج النفسي الذي يركز على استخدام التمثيل والدراما لتجسيد الأحداث والمواقف الحياتية والتعرف إلى المشاعر والتفاعلات الاجتماعية للفرد، ويهدف إلى تحسين العلاقات والتواصل بين الناس، ويعتبر وسيلة فاعلة للتعامل مع الأزمات النفسية، إذ يتم تشجيع المشاركين على تولي أدوار مختلفة وفق تجارب جديدة وغير مألوفة”.
ولفتت الحاج إلى أن “الحرب تسببت في تأزم الوضع النفسي للنساء والأطفال وكبار السن، وحدثت صدمات قاسية نتيجة لتجارب سلبية ومؤلمة مثل القتل والتشرد والعنف وغيرها، وبالتالي نسعى من خلال المسرح إلى معالجة الآثار النفسية، وأطلقنا دعوة إلى الدراميين لمناصرة قضية النازحين من خلال العمل معهم وإبراز قصصهم على خشبات مسارح مراكز الإيواء”.