📍السفير عبد الله الأزرق يكتب: 📍المعقول واللا معقول في العلاقات الدبلوماسية (37)
واشنطن (14)
📍خطة فصل الجنوب (و)
تقول الصحفية ربيكا هاميلتون : إن تيد داقني اتصل بقرنق واستشاره في أمرِ تصعيد حملة في الكونقرس وفي الإعلام عن دارفور فشجعه، في نفس الوقت الذي كان يفاوض ويضاحك نائب البشير على عثمان في نيڤاشا.
كانت استراتيجية قرنق في التفاوض تقوم في جزء منها، على تصعيد مشكلة دارفور لتزيد الضغط على الحكومة فتضعف، ومن ثم تتنازل لما يطلبه.
من جانبه صاعد (المجلس) حملته الإعلامية.
وكتب نيكولا كريستوف أن عدد القتلى بلغ 440 ألف قتيل في عام واحد!!!
وكونت منظمة متحف الهولوكوست في واشنطن، ومنظمة الخدمات اليهودية العالمية تحالف إنقاذ دارفور Save Darfur Coalition ونِيْطَ أمرها لبرندرقاست، الذي كان يعمل عمر قمر الدين تحته. وعبرها جمعت ملايين الدولارات لكن لم يرسل منها فلس واحد لدارفور؛ ووثق ذلك محمود ممداني في كتابه الرائع : ( منقذون وناجون ) Saviour and survivors.
قبلها جمع (المجلس) الملايين حتى من طلاب المدارس باسم جوعى الجنوب، ولم يمدهم المجلس بكسرة خبز.
كل هذا يؤكد أن برندرقاست ورهطه إنما يتكسبون على حساب مآسي بشر آخرين.
فالأزمات عندهم هي مصدر العيش الرَغِيد!!!
وضم (المجلس) لنشاطه الممثل جورج كلوني؛ فجاب مع برندرقاست الجامعات الأمريكية يتحدثون عن الهوليكوست الذي يقترفه هيتلر الجديد في دارفور!
ولشدة الحملة لم يسأل أحد عن القبور الجماعية لإثبات الادعاء؛ وهكذا يكرر الإعلام المتحيّز الطرق على موضوع ما، حتى يقر في الأذهان أنه حق لا يتطرق إليه شك ؛ فتعمي البصائر ، وتقبل كل الدعاية كما هي دون تفكير.
وكتبت سوزان رايس؛ وكتب أريك ريڤز لصحف ومجلات عن المأساة و(التهميش) في دارفور الذي يقارفه النظام الإسلامي العربي.
ومن المعونة USAID نظم روجر وينتر وبريان داسيلڤا رحلة لبعض موظفي الخارجية لدارفور ليروا فظائع حكومة المتطرفين !!! .
ورتّبوا مع منظمات ومع عبد الواحد ومناوي لحشد نساء يَقُلْنَ بالاغتصاب.. وهُنّ بريئات لا يفرّقن بين الغصب والاغتصاب ، كما ظهر في نفيهن للاغتصاب في بعض الفيديوهات وهُنّ يُجِبْنَ بالعربية ، ولكن عدم أمانة المترجمين المنتمين للحركات المتمردة يقولون بخلاف ذلك .
وضاعف داقني من نشاطه بالكونقرس، وبالتنسيق مع دونالد بين رئيس الكتلة السوداء، اتصلوا بنافذين من أعضاء الحزبين فزاروا معسكرات النازحين في دارفور.
وهكذا أصبحت المعطيات كافية، وحُشِدَت ليصدر الكونقرس قراراً يدين الحكومة السودانية.
فأعد داقني ودونالد بين مشروع قرار يتحدث عن (الإبادة) في دارفور وتبناه الكونقرس!!!
وتمت كل هذه التحركات لمزيد ضغط على الحكومة السودانية، خدمة لمشروع قرنق لفصل الجنوب.
وآتت التحركات أكلها.
وفي يوم من عام 2005، دعا قرنق ابنه الأثير داقني وصديقه الحميم روجر وينتر لاحتفال بنصرهم في منزله بنيروبي، وذلك عقب التوقيع على اتفاقية نيڤاشا.. لكن (المجلس) فجع بموت قرنق في حادث الطائرة، فقط بعد ستة أشهر من الاتفاق.
وذات مساء من يناير 2012 توجه داقني ورفيقه روجر وينتر إلى مطار دالاس في واشنطن العاصمة، في سبيلهما لتسلم منصبيهما الجديدين كمستشارَين لسلفا كير؛ وفي هاتفه الجوال آخر رسالة أرسلها له قرنق، وقبل يوم واحد من موته نصها:
“كيف أنت يا ابن أخي، هذا أنا عمك”
”Hi ,Nephew, this is Uncle”
ورسائل تهنئة من أعضاء (المجلس) من بينها رسالة من أريك ريڤز تقول:
“لن يكون جنوب السودان أكثر حظاً مما هو عليه الآن … أحييك أنت الإمبراطور”
South Sudan would not be more fortunate … I salute you…. You are the Emperor
ومن عجائب الدهر أن تيد داقني – أهم أعضاء المجلس – الذي عُيّن مستشاراً لسلفا كير سرّب خبر اختلاس 4 مليار دولار من قِبَل كبار المسؤولين الجنوبيين للصحافة، هُدّد بالقتل من قبل نفس هؤلاء المسؤولين، فهرب من الجنوب إلى نيروبي ثم إلى أميركا.
أمًا الممثل جورج كلوني فأنشأ مع برندرقاست مؤسسة للمتابعة والتحقيق في فساد كبار المسؤولين الجنوبيين – الذين أثروا بعد انفصال الجنوب – تسمى The Sentry وتعني الرقيب أو الخفير ؛ ويتذكر بحسرة كل جهوده السابقة لمساعدتهم لفصل الجنوب، ويقلب كفيه على ما أنفق فيها.
وبالتناقض مع ما روّج له بعض الكتاب في الشمال؛ ما كان جون قرنق وحدوياً.
وكانت كل أدبيات الحركة منذ (المنافستو) الذي أصدرته أول أمرها تتحدث عن “التحرير”!
وما كانت كوادر الحركة تحديداً تُحس برغبة في وطن واحد يجمعها مع “المندكرو”. وما كانت قواعدها تقبل غير الانفصال .
ربما غير قرنق توجهه الانفصالي بعد الحشد الذي استقبله في الخرطوم؛ وكان بمئات الألوف؛ لكن قرنق وهو مغمور بنشوة الحشد الكبير يبالغ فيزعم أن عدد الجماهير التي استقبلته بلغ المليونين. ولو أن رغبته الطارئة في الوحدة كانت جادة، وبلغ ذلك داعميه الغربيين؛ فهذا يكفي لأن تقتله تلك الأطراف الغربية الداعمة. كيف ترضى أن يفشل كل جهدها وأن تذهب مئات الملايين التي أنفقتها للانفصال هَدَراً.
صحيح أن التصويت للاختيار بين الوحدة أو الانفصال شابه بعض تزوير؛ لكن الأغلبية الساحقة التي صوتت للانفصال زحفت راغبة في الانفصال؛ أو بلغة الخواجات Voted with their Feet.
لكن الإنصاف يدعونا لأن نقول: إن الأطراف الغربية، بما فيها (المجلس) لم تكن وحدها ما قوّى قرنق حتى تم فصل الجنوب.
اجتهد حزب الأمة برفد قرنق بالرجال والدعم السياسي خاصةً إقليمياً.
وعمل حزب الميرغني في ذات التوجه، لكنه لم يرسل مقاتلين مثل حزب الأمة.
وكلاهما كان يريد إضعاف نظام الإنقاذ؛ ثأراً لحكم فقدوه!!
أما الحزب الشيوعي الذي دعم قرنق بكوادره وروّج للحركة بإعلامه ودعمها سياسياً، فكان غارقاً في أوهام الوحدة. وكان يَحْلُم أن تمكنه الحركة من استئصال الثقافة العربية والإسلامية، ليقيم نظاماً علمانياً شبيهاً بالذي حققه بعد الانقلاب على البشير.
وكان الإسلاميون بدورهم غارقين في أحلام الوحدة؛ لأسباب دينية واستراتيجية؛ وظلوا يتبعون سرابها؛ فأنفقت الحكومة مئات ملايين الدولارات على ما سمّوْه مشروع: “الوحدة الجاذبة” ترغيباً للجنوبين. لكن كل ذلك كان تفكيراً رغائبياً لديهم Wishful Thinking رغم أن الكتابة على الجدران كانت واضحة The writing was on the wall، كما تقول تلك النبوءة التوراتية، فالقوم ذاهبون لانفصال.
ما كان لدى الإسلاميين أدنى استعداد حتى لقبول الانفصال كفكرة أو خيار. عميت أبصارهم وسُدّت بصائرهم أن يناقشوا خيار الانفصال.
أذكر أن لقاءً ضَمّنا مع الأستاذة القانونية الشهيرة بدرية سليمان، ودكتور عبد الرحمن إبراهيم أستاذ القانون ونقيب المحامين الأسبق وآخرين، وطرح موضوع : “الوحدة الجاذبة” وما هي الإجراءات الإضافية المطلوبة لتحقيقها. وأذكر أنني اقترحت مناقشة كلا خياري الوحدة والانفصال، ووافقتني الأستاذة بدرية الرأي وألمحت إلى “أنهم” لن يقبلوا؛ فانبرى لي دكتور عبد الرحمن إبراهيم قائلاً:
“والله الانفصال ده ما موجود إلّا في مخك إنت والطيب مصطفى” !!!
هكذا كانوا.
📍السفير عبد الله الأزرق
———————————.
22 نوفمبر 2023