محفوظ عابدين يكتب : *(الطورية) و(العسكرية) في حماية السيادة الوطنية.*
مسارات
الأمم التي عاشت في أعماق (التاريخ) وجذورها ضاربة في (عمق) الأرض هي بالتأكيد (أرض حضارات) ،والشواهد فيها لا تحتاج الى إثبات ،فتجد المتخصص وغير المتخصص،لايختلفان في
أن(البجراوية) و(مروي) هما (حضارة) ضاربة في أعماق التاريخ يتجاوز عمرها سبعة آلاف سنة قبل الميلاد،فهذه (الأجيال) التي (توارثت) الأرض منذ ذلك العهد وحتى الآن تكون قد تدثرت ب(رحيق) التجربة و(عصير) الخبرة و(زبدة) الحكمة،فتخرج (الحكم) و(الأمثال) وتظل فاعلة على مر (الدهور) و(الأجيال) ،(نبراسا) يضيء ظلمة الأيام بصبح لا يبق (عسعاسا).
ولعل واحدة من أهم تلك الحكم والمقولات ذات البعد الأمني والإستراتيجي التي خرجت من أفواه (الأجداد) بشأن (الأبناء) و(الأولاد) وهي إن نجح( للعسكرية) وإن فشل (للطورية) ،فهذه المقولة هي في الأصل رسالة علمية يمكن أن تكون دراسة لدرجتي (الماجستير) او(الدكتوراه)،في واحدة من الجامعات السودانية.
وتتجلى الحكمة في هذه المقولة أن العلوم العسكرية (متطورة) وأن الأعداء قد يتخذون أساليب متطورة في العتاد والإعداد والتكتيك والتنفيذ في حالتي الهجوم والدفاع ،وبالتالي فإن العسكرية تحتاج إلى قدر من (النباهة) والاستعداد (الفكري) إن لم تكن متفوقا،فلابد أن تكون في المستوي.
وأما (الطورية) فهي إشارة إلى (الزراعة) وهي عمل مكتسب تتراكم فيه الخبرة ب(الممارسة). في تعاقب المواسم الزراعية والملاحظة (الحقلية) والتوجيه ممن سبقه في هذا المجال لتزداد المعرفة بالتعامل مع الأرض والنبات.
وكثيرون لا يعرفون أن كثيرا من العلوم التي غيرت وجهة الأرض وقلبت الموازيين (رأسا) على (عقب) هي اصلها وأساسها (عسكري) ويكفي مثالا واحدا يحرك كل هذا العالم ويتحكم فيه وهو( الانترنت) الشبكة العنكبوتية في بداية اكتشافها كان الهدف منها
(عسكري) خالص وليس لها أي اهداف أخرى مثل التي تستخدم فيها الانترنت اليوم في كل مجالات الحياة الآن. وان ما أحدثته ثورة الاتصالات في خدمة العلوم وتطورها وماأحدثه (الانترنت) في قفرة هائلة في الحياة والعلم كان سببه (عسكري)
وهنا تتجلى حكمة أهل الحضارات وهم في عمق(التاريخ) تكون حكمتهم هي التي تسود في(الحاضر) بكل قوة،(إن نجح للعسكرية) وهي ذات القوة التي حددت نتائج الحرب العالمية (الأولى) و(الثانية) وهي ذات القوة التي نشأت بموجبها( التكتلات) و(التحالفات) الدولية والإقليمية العسكرية والسياسية والإقتصادية.
وبالنظر إلى ذات الحكمة فإن (الطورية) لا تقل أهمية من (العسكرية) في تحقيق الأمن الغذائي وهو لا يقل أهمية من (الأمن) العام وهما مرتبطان ببعضهم البعض، (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
وبالتالي هما يمثلان عمودان أساسيان في حماية (السيادة الوطنية).
وهذا ما ظهر واضحا جليا في الظروف الحالية التي تعيشها البلاد أن المزارعين كانوا عونا وسندا في حماية البلاد مما يليهم من الإنتاج وتوفير الغذاء، ومن ريع الإنتاج (ومن لا يملك قوته لا يملك قراره) فهي ايضا مرتبطة بإستقلال (القرار السياسي) للبلاد وهذا (مفتاحه) عند المزارعين.
ويبقى الدور متكاملا في حماية السيادة الوطنية بين (الطورية) و(العسكرية).