د. محمد عثمان عوض الله يكتب: *الآثار العالمية والمحلية لقرار السودان تصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية*
أصدرت الحكومة السودانية قرارا بتصنيف مليشيا الدعم السريع جماعة إرهابية وحظرت بموجبه 37 من شركاتها واسماء الاعمال التابعة لها، و سمَّت 199 قيادي منها شخصيات ارهابية وطلبت من البعثات الدبلوماسية تسمية قوات الدعم السريع كجماعة إرهابية وحظرها وعدم التعامل معها وفقا لقرار السودان.
كما اوضحت أنها وعبر وزارتي العدل والخارجية ستقوم بابلاغ اللجنة الفنية الدولية التابعة لمجلس الأمن الدولي(الخاصة بمتابعة تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1373 و 1267 من قبل الدول) والتي بدورها ستعمم الابلاغ لجميع اللجان الفنية المعنية على نطاق العالم، بقرار التسمية المحلي السوداني.
*الآلية الوطنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي*.
فيما يتعلق باستجابة حكومة السودان للتعامل مع قراري مجلس الأمن الدولي 1373 و 1267 المُلزمين للدول بتكوين آليتها الوطنية، فقد كونت حكومة السودانية لجنتين مختلفتين ومكملتين لبعضهما البعض، للتعامل مع قضايا الإرهاب داخليا وعالميا.
*اللجنة الاولى*: تحت مسمى اللجنة الفنية السودانية لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1373 و 1267 والقرارات اللاحقة، تم تشكيلها عام 2014 بموجب المادة 34 من قانون غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، برئاسة جهاز الأمن وممثلين لوزارات الدفاع والداخلية والعدل والنيابة العامة وبنك السودان ومصلحة الأراضي وسوق الاوراق المالية.
تم تكوين هذه اللجنة لأن مجلس الأمن كان قد ألزم جميع دول العالم بإنشاء آلية وطنية لتنفيذ هذين القرارين وشكل لجنة دولية لمتابعة مدى التزام الدول بالتنفيذ.
*اللجنة الثانية:*
أصدرت الحكومة السودانية قرارا بتشكيلها في 4 أغسطس 2023 برئاسة النائب العام وعضوية آخرين من ضمنهم رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان وممثلا لوزارة الخارجية والشرطة، وتحت مسمى اللجنة المختصة بالتحقيق في جرائم الحرب وانتهاكات وممارسات الدعم السريع.
*مرجعية الحكومة السودانية:*
إستندت الحكومة السودانية في قراريها بتكوين اللجنتين على مرجعيين أساسيين هما قرارين صادرين عن مجلس الأمن الدولي.
*القرار الأول* رقم 1267 الصادر عام 1999 بموجب الفصل السابع، والخاص بالزام الدول للتعاون فيما بينها لمحاربة جماعة إرهابية معينة باعتباره سابقة تبنى عليها الدول وتقيس عليها الزامية تعاونها مع الدول الأخرى، لمحاربة جماعة إرهابية محددة.
*أما القرار الثاني*، فهو بالرقم 1373 الصادر عن مجلس الأمن عام 2001 بموجب الفصل السابع ولذلك هو قرار ملزم بالتنفيذ لجميع الدول، خاصة وأن مجلس الأمن شكل لجنة من أعضاءه لمتابعة مدى التزام الدول بتنفيذ القرار.
*توجيهات ملزمة من مجلس الأمن*
إذاً ماذا طلب مجلس الأمن الدولي في قراره 1373 من جميع الدول القيام به؟ طالب منها اعتبار الأعمال الإرهابية جرائم جنائية خطيرة ومن ثم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة، الخاصة بها لمكافحة الإرهاب وفق قوانينها الوطنية، وحدد ذات القرار أمثلة لهذه التدابير منها:
1/ تجريم تمويل الإرهاب.
2/ تجميد أموال الأشخاص المشاركون في أعمال الإرهاب.
3/منع الجماعات الإرهابية من الحصول على اي أموال.
4/ تجريم توفير الملاذ الآمن او أي دعم للإرهاب باي وسيلة.
5/ امتناع جميع الدول من تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الأشخاص أو الكيانات الإرهابية.
6/ إنذار الدول الأخرى وتبادل المعلومات معها وفق القوانين الدولية لمحاربة الإرهاب.
7/ عدم الاعتراف باي ادعاءات سياسية تمنع تسليم المشتبه بهم كارهابيين.
*كيف نفذ السودان قرارات مجلس الأمن:*
الآن لنرى كيف التزم السودان بتنفيذ القرار 1373 الصادر بتوجيه مُلزم من مجلس الأمن.
كما سنرى كيف يمكن أن يستفيد السودان من القرار 1267 في القياس عليه كسابقة تلزم الدول الاخرى بالتعاون مع السودان تجاه محاربة جماعه ارهابية محددة:
1/ أصدرت الحكومة السودانية قراراتها استجابة لتوجيه مُلزم صادر من مجلس الأمن الدولي. أي أن السودان قبل أن يستجيب لضرورات محلية تتعلق بإنصاف الضحايا من المدنيين، فهو ينفذ قرارات دولية ملزمة.
2/ التزم السودان المسار الفني الصحيح لتنفيذ القرار وتحديد الجرائم وتصنيف الدعم السريع وقيادته، وفق المعايير التي حددها مجلس الأمن نفسه في قراره.
3/ قدم السودان البيانات والأدلة الفنية والمهنية البحتة الخاصة بالانتهاكات، وأحصى قائمة الأدلة والإثباتات الدامغة التي تؤكد انتهاكات الدعم السريع.
*تدابير وإجراءات الحكومة السودانية:*
البينات التي قدمتها الحكومة السودانية تحتم عليها أو على أي دولة أخرى حدثت فيها مثل هذه الانتهاكات، الاستجابة الفورية لتوجيهات مجلس الأمن الدولي وفق قراراته، وإلا أعتبرت دولة غير ملتزمة و متواطئة وتشكل ملاذا آمنا للإرهاب مما يشكل تهديدا للأمن والسلام الدوليين.
إكمال الإجراءات وعليه فإن حكومة السودان و إكمالا لهذا المسار كان لزاما عليها أن تتخذت عدد من التدابير والإجراءات الداخلية والخارجية.
*التدابير التي اتخذتها حكومة السودان:*
1/ تكوين اللجان الرسمية وتحديد مهامها وصلاحيتها وطبيعة عملها.
2/ مخاطبة مجلس الأمن الدولي لتوضيح وتأكيد استجابتها لقراراته بما يشمل المستجدات الأخيرة في السودان.
3/ توضح الطريقة الفنية والمهنية التي تعمل بها اللجان الفنية ومطابقتها لمعايير مجلس الأمن.
4/ دونت اللجنة عدد من البلاغات الجنائية تحت المواد من 186 إلى 191 من القانون الجنائي السوداني 1991 تعديل 2019 ضد الدعم السريع، شملت الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب والإبادة العرقية واصدرت أوامر بالقبض على قادة الدعم السريع.
4/ تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية حظر 37 من شركاته وتسمية 199 من قياداته كارهابيين.
5/ الطلب باستصدار قرار من مجلس الأمن يقضي بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية وفق القرارات السودانية الصادرة مؤخرا.
6/ مخاطبة السودان للمنظمات والدول، بالأدلة الدامغة المؤيدة والمؤكدة لقرارها، وحشد التأييد الدولي للقرار.
7/ تقديم بيانات إدانة الدعم السريع والعقوبات الصادرة من المؤسسات الدولية والحكومات والمنظمات الدولية والحقوقية وغيرها.
*تدابير اضافية:*
أما داخليا فإن الحكومة السودانية عليها:
1/ الالتزام هي نفسها بقراراتها وابداء المواقف الصلبة التي تؤكد احترامها لتلك القرارات والمؤسساتها التي أصدرتها وقراراتها وعدم التراجع عنها كما حدث في قرارات مشابهة.
2/ إلزام كل المؤسسات العامةج والخاصة وكل الأفراد باحترام قرارات الدولة والانصياع لها والالتزام بتنفيذها.
3/ إصدار الأحكام في مواجهة كل من يخالف قرار تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية ومتابعة ذلك متابعة لصيقة.
4/ إصدار التشريعات المكملة لملئ أي فراغ تشريعي المتعلق بمحاربة الارهاب.
*استجابة مجلس الأمن الدولي لطلب السودان:*
مدى استجابة مجلس الأمن الدولي تبدو استجابة مجلس الأمن الدولي لإعتماد قرارات الحكومة السودانية والبناء عليه في إصدار قرار يصنف الدعم السريع كمنظمة ارهابية، تبدو فرصا كبيرة وذلك للأسباب الآتية:
1/ اتخذ السودان قراره بناء على توجيه مجلس الأمن إذ من المستبعد أن يرفض مجلس الأمن، من حيث المبدأ، إستجابة الدول لتوجيهاته.
2/ يصعب على مجلس الأمن رفض المسار المهني الذي اتخذه السودان في تنفيذ توجيهاته. لأن السودان استند على سوابق صادرة من مجلس الأمن الدولي نفسه تحديدا قراره 1267.
3/ يولي جميع دول العالم و الأمم المتحدة اهتمام كبيرا بقضايا الإرهاب.
4/ اصدر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2005 قراره (20/1) بإدانة الارهاب بجميع اشكاله ومظاهره أيَّاً كان مرتكبه وفي أي مكان ومهما كانت أغراضه باعتباره مهددا خطيرا للأمن والسلام الدوليين. ووفقا للإدانات الدولية السابقة الموجهة للدعم السريع وللأدلة الدامغة التي قدمتها حكومة السودان وللتفاعل العالمي الكبير ضد هذه الجرائم، فإن قرار الحكومة السودانية سيجد صدى واسعا يصعب على مجلس الأمن وعلى الدول أن تتجاوزه مهما كان حجم ثاثير اللوبي المساند للدعم السريع.
*أثر استجابة مجلس الأمن:* سوف يحدث هذا القرار ضجة عالمية كبيرة ويفجر اثراً كبيرا على الآتي:
1/ علاقة الدعم السريع مع الدول التي ظلت تدعمه وتتبناه، إذ أنها سوف تواجه تهمة دعم ومساندة الارهاب.
2/ قطع الإمداد والمال والمرتزقة والسلاح والدعم العسكري عن مليشيا الدعم السريع.
3/ تفوق الجيش على الدعم السريع في العمليات الحربية على أرض الواقع، خاصة بعد قطع الامداد.
4/ سيتوقف أي تفاوض أو تعامل سياسي مع الدعم السريع باعتبار الموقف الدولي الذي يمنع مفاوضات سياسية مع الارهاب.
5/ توجيه تهمة دعم الارهاب لكل من يدعم المليشيا بالسلاح أو المرتزقة والمال أو المعلومات او الإيواء.
6/ نقل المعركة على الصعيدين المحلي والدولي من خانة التمرد إلى خانة مكافحة الارهاب مما يسدل الستار على أي محاولات للحل السياسي مع الإرهاب تحت أي مسمى.