منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. أسامة محمد عثمان حمد يكتب: *الاهتمام بالعسكرية عند القبائل السودانيه*

0

ذلكم التاريخ القديم الذي كان أهل السودان فيه يمتهنون حرفتين اساس هما الرعي والزراعة وبعض من التجارة التي في غالبها الاعم أهلها عابرون بعضهم استقر واخرون متنقلون لم تكن الجندية مهنة تمتهن بل كان بستنفر لها القوم لأجل الحرب إما إغارة او حماية ويستمر الحال على ماهو عليه حتى تاريخ السودان الحديث الذي يؤرخ له بتاسيس دولة الفونج وتحالفاتها التي امتدت وتوسعت حتى شملت كافة بقاع السودان عدا دارفور وكل توابع سلطنتها القوية آن ذاك.
حينها ظهرت بعض معالم الجندية التي اوكل لها حفظ الأمن الداخلي للدولة وبعض التكوينات النظاميه التي تدعم عند الحاجة عند اعلان الحرب بمدنيين لتقوية جبهات القتال كانت مظاهر الفروسية والشجاعة هي الغالبة نسبة لطبيعة التكوين القبلي الغالب على أهل السودان،حيث كان للقبيلة و إدارتها الأهلية دور في جمع الفراس الشجعان متى ما استدعت الحوجه هذه هي الطريقة التي ظلت متبعة طيلة فترة حكم الفونج والفور والسلطنات التي كانت موجوده بجوارهم في تلك الفترة وهي نفس الطريقة التي اتبعت في التصدي لقوات الغزو التركي للسودان بقيادة اسماعيل باشا وابن عمه الدفتردار بعدها تمت السيطرة على مناطق السودان وامتد نفوذ محمد علي باشا الذي جاءا باحثا عن الذهب والرجال ليقوي بهم حكمه في مصر ويوسع به نفوذ سلطانه.
لم يعمد محمد علي باشا في سياسته في السودان الي تكوين جيش سوداني منفصل ولكنه لم يمانع في التحاق من يرغب الي جيوشه الطامعة في التوسع. بدأت مقاومة الاستعمار التركي كما اطلق عليه حينها من قبل محمد المهدي جهادا دفع كثير من ابناء القبائل الي الالتحاق به لإجلاء المستعمر التركي وعلى ذات النهج القبلي استمر المهدي في تجميع قواته (الجهديه) ولكن هذه المرة بعقيدة قتالية مختلفة تحت راية دينيه جهاديه وسمي بعدها كل من اتبعوه بانصار المهدي الذي ظل يحارب التركية حتى اسقطها بفتح الخرطوم الذي توفي بعده مباشرة فاستمر خليفته التعايشي في حكم البلاد وظل (الجهديه) موجودين يمثلون جيش دولة المهدية حيث لم يكن الوضع مختلف كثيرا الا في العدد والعتاد عن طريقة دولة الفونج او سلطنة الفور نسبة لدواعي نفس الأسباب التي ذكرت سابقا حتى انتهاء دولة المهدية بعد غزو كتشر للسودان ودخوله الخرطوم وبداية مرحلة تاريخية جديدة بدأ منها تاريخ السودان الحديث حيث دواوين الحكم والقانون والجيش والشرطة وكلية غردون والمدارس والتعليم ومن هنا بدأ التفكير في تأسيس قوات دفاع السودان عام 192‪5وهي اللبنة الأولى للقوات المسلحة السودانية.
نسبة لاهتمامات السودانين المتباينة وحركة الانفتاح التاريخي لكافة أفريقيا على الشمال والشرق حيث سهولة انتقال المدنية في ظل وجود حضارة تاريخية في شمال السودان خاصة وإنفتاح السودان بصورة أوسع في حدوده الشمالية على مصر ومعلوم عنها قدم التاريخ والعلوم والمدارس والازهار الشريف الذي كانت لدولة الفونج به حينها علاقات الابتعاث حيث (رواق السناريين) هذه العوامل مجتمعه جعلت أبناء الشمال اكثر رغبة في العلم والتعلم والبحث عنه في اي مكان إضافة إلى ظروف بيئتهم القاحلة الجافة وضيق الرقعة الزراعية رغم معرفتهم القديمة بالزراعة المروية ونظم الراي.
وجد الانجليز ضالتهم في أبناء الشمال فتم استيعابهم في دواوين الدولة قبل أن ينتشر التعليم الحديث في بقية مناطق السودان كما تمت الاستفادة منهم بعد ذلك في نشر التعليم في بقاع السودان المختلفة الزراعة خاصة بعد (تأسيس مشروع الجزيرة) والعمل في السكة حديد وتمت الاستفادة من الذين خدموا عسكريا في الجيش المصري و تدربوا هناك والذين كان غالبهم من ابناء الشايقية حيث دفعتهم ظروف المعيشة للهجرة شمالا (وكانت المقولة الاشهر الشايقي ان نجح للعسكريه وان فشل للطورية) هم وبعض جيرانهم من ابناء الدناقلة أما الحلفاويين فهم تربطهم علاقات رحم ممتده مع أهل مصر.
استمرت اهتمامات أهل الشمال بالتعليم في إطار البحث عن مصادر رزق إضافية في ظل ضيق الرقعة الذراعية التي تضيق يوما بعد يوم بسبب التوريث مما أدى إلى هجرات خارجية و داخلية عديدة استقرت بهم في الشرق والغرب والوسط وكافة بقاع السودان فكانت الخيارات المتاحة حينها محصورة ما بين موظف دولة مدني وغالبا السكة حديد او عسكري بين الشرطة والجيش في ظل عدم توفر الرغبة لدي بقية أهل السودان نسبة لغناهم الذاتي وزهدهم في ما لدي الدولة من وظائف إضافة إلى انهم في ظل رغبتهم في تنمية ثرواتهم الزراعية والرعوية لم يكن اهتمامهم بالتعليم بنفس قدر أهل الشمال حيث لحق بهم أهل الوسط والغرب والجنوب والشرق تدريجيا بعد توسع الدولة وخاصة بعد جلاء الاستعمار عن السودان.
بعد انتهاء الاستعمار الانجليزي للسودان تحولت قوات دفاع السودان الي القوات المسلحة السودانيه ثم قوات الشعب المسلحة وظلت مكونات الشمال والوسط هي الأكثر التحاقا نسبة لحالة التوسع المستمر فيها و رغبتها في المزيد من الجند ورغبتهم في الالتحاق بها وكانوا الأسبق الي دخول الكلية الحربية وكلية الشرطة كذلك نتاج هذه الرغبة التي كانت غالبة للأسباب سالفة الذكر ثم تدريجيا بدأت الرغبة تنامي لبقية أهل السودان كافة خاصة أبناء الغرب والجنوب وبدأ تركيز أبناء الوسط على الالتحاقات بالجامعات و في العسكرية الالتحاق بالكليات نسبة لارتفاع نسبة التعليم وسطهم حتى أن الذين لا يجدون فرصهم داخليا كانوا يلجؤن الي البعثات الخارجيه والعودة الي الوطن بحثا عن الوظائف وبعضهم استقر حيث تعلم.
كل تلك العوامل ساهمت مجتمعة في وجود الكثير من ابناء الشمال والوسط (وهنا أعني المنطقة الممتدة من حلفا حتى الابيض جنوبا) في مؤسسات الدولة حيث لم يميز هذا الوجود مناطقهم الجغرافية باي تمييز حداثي عن بقية مناطق السودان الأخرى بل عمدوا الي نشر التعليم وترغيب بقية أهل السودان وتمددوا حتى نمولي وياي جنوبا وقيق شرقا والطينة وفطيس غربا دون أدنى ممانعة شعورا منهم بالواجب والانتماء الكلى للوطن الواحد! ولكن كانت ابرزت التحديات التي واجهتهم حينها هي عدم توفر الرغبة الكافية في التعليم لدي سكان كثير من مناطق السودان و امتناع بعضهم نهائيا عن الالتحاق بالمدارس مع تركيز البعض على الخلاوي واخرون على تعليم جزيئ (يفك الخط) نسبة لحوجة الأسر لابنائهم في الرعي والزراعة بحكم انها مصدر الثروة والرزق حينها في ظل عدم توفر الوظائف في تلك المناطق التي كانت فيها دواوين الحكم بسيطة جدا وغالب نظم الحكم كانت تعتمد على نظام الإدارة الأهلية.
بدأت الدولة تتوسع رويدا رويدا بعد الاستقلال وكلما توسعت الدولة احتاجت الي مزيد من الموظفين والعمالة والعسكر مع استمرار الإدارة الأهلية في مهامها في ظل نظام حكم مركزي ينظر إلى السودان من أعلى كجسم واحد يتم تعيين الموظفين فيه مركزيا ثم يتم توزيعهم الي الأقاليم حينها حسب احتياج الوحدات الإدارية وكان هذا هو الحال لجميع العاملين في قطاع الدولة وهذا الأمر هو أحد اسباب استقرار مكونات قبليه من اقاليم مختلفة في اقاليم أخرى غير اقاليمهم الأصل.
لقد نتج هذه الظروف وهذا التنوع والاهتمامات لاستمرار الرغبة لدي الغالب من اهل الشمال المحدد سابقا للالتحاق بالعسكرية خاصة كليات الشرطة والجيش في ظل عدم تنامي الرغبة لدي الكثير من ابناء السودان الآخرين نسبة لاعتقاد البعض ان الجندية ليست وظيفة وهم (فراس) و التحاقهم بها ينفي عنهم هذه الصفة اذا هي معيوبه او كما ذكرنا نسبة لحوجة الأسر لأبنائها في الزراعة والراعي (وهنا الكثرة مرغوبة) او لان هناك شروط تتعلق بالتأهيل العلمي ولم يستوفوها فصرفوا عنها النظر دون ندم عليها و ظل الحال يتغيير بمرور الزمن مع ارتفاع نسبة المتعلمين وزيادة الكثافة السكانية ونشوء الصراعات القبلية والمناطقية حول الأرض زراعة ومرعي مع توسع تمرد جنوب السودان الذي قاده ضباط من الجيش، وبدأت تعلوا نبرات الحديث عن الحقوق في ظل انتشار أفكار الاشتراكية و القومية ادي كل ذلك إلى وجود همهمات حول استئثار أهل الشمال المحدد سابقا بالسلطة والثروة و(إن وجد فهو ظاهري فرضته ظروف الفجوة حينها) ثم بدأت ادعاءات الهامش والتهميش و تم استقلال نقاط الضعف والهشاشة التي ظهرت على تماسك المجتمع من قبل الطامعون في ثروات السودان غير المنظورة لأهله غير الحامدون .
….

#منصة_اشواق_السودان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.