خبر وتحليل – عمّار العركي *الصحافة السودانية بين قداسة الرسالة القومية وإغواء الولاءات الضيقة*
خبر وتحليل – عمّار العركي
*الصحافة السودانية بين قداسة الرسالة القومية وإغواء الولاءات الضيقة*
* في لحظات التحوّل الكبرى، تنهض الصحافة بدور لا يقل أهمية عن دور البنادق في ساحات الوغى، بل قد تتفوق عليه حين تكون المعركة معركة وعي وهوية وكرامة وطن يُراد له أن يُمزق من الداخل. ولهذا، فإن الدور الذي تنهض به الصحافة في سياق التداعي الوطني ليس ترفًا وظيفيًا ولا ترفًا ثقافيًا، بل هو التزام أخلاقي وتاريخي يضعها في قلب معركة الحفاظ على السودان ووحدته وهويته القومية الجامعة.
* لقد أثبتت محطات التاريخ السوداني – لا سيما في لحظات الشدائد والمحن – أن للصحافة السودانية قدرة فريدة على أن تكون منبرًا للوحدة، ووعاءً للضمير الجمعي، ورافعةً لمفهوم “القومية السودانية” فوق كل انتماء ضيق أو ولاء عابر. فهي التي وحّدت الصفوف ضد الاستعمار، وهي التي صاغت ملامح الهوية الوطنية في مرحلة ما بعد الاستقلال، وهي التي وقفت – في أوج عنفوانها – في وجه الأنظمة الشمولية لتُبقي جذوة الحرية مشتعلة.
* واليوم، ومع انطلاق قطار الانتصارات والتحرير والتطهير، تهيأت الفرصة التاريخية للصحافة السودانية لتعود إلى ذلك الدور النبيل: أن تكون صوت الانتصار للوطن، لا صوت الولاء للفصيل؛ أن ترفع راية القومية السودانية، لا راية الانتماءات الجهوية أو الأيديولوجية؛ أن تكون درعًا لحماية الوطن من الاختراق والتشظي، لا أداة لتفخيخ وعي الناس بالمماحكات والتخوين.
* غير أن المؤسف – والمؤلم – أن بعض الأقلام، وبعد أن تجاوز الشعب السوداني عنق الزجاجة، انحرفت عن هذا المسار القومي الوحدوي، وبدأت تكتب من منطلقات الولاء الخاص، متجاهلةً المعركة الكبرى التي يخوضها السودان اليوم: معركة إثبات الوجود، واستعادة السيادة، وتحرير الإرادة الوطنية من قبضة التدخلات الخارجية والأجندات المأجورة.
* إن القلم الذي لا يستشعر قداسة اللحظة التاريخية، ويغرق في مستنقع تصفية الحسابات السياسية الضيقة، يتحول – من حيث يدري أو لا يدري – إلى معول هدم، يسهم في إضعاف الجبهة الداخلية وتمزيق النسيج الوطني، في وقت أحوج ما يكون فيه الوطن إلى الوحدة والتماسك والانصهار في بوتقة واحدة: “السودان أولاً”.
* ولذلك، فإننا في هذه المرحلة المصيرية، لا نحتاج إلى صحافة تُجامل أو تُعادي، بل نحتاج إلى صحافة تضع الوطن فوق الجميع؛ صحافة تراقب، وتنتقد، وتقوّم، ولكن من منطلق وطني خالص، لا من عدسة حزبية أو مناطقية أو أيديولوجية.
*خلاصة القول ومنتهاه* :
* السودان اليوم يخوض معركة بقاء لا تقل ضراوة عن معاركه العسكرية. وإذا كانت البنادق قد فتحت الطريق أمام الانتصار، فإن الصحافة وحدها قادرة على صيانته وتعزيزه، وتحويله إلى مشروع وطني جامع يتجاوز الأفراد والمكونات نحو الوطن الكبير. والرهان الآن – كما كان دومًا – على ضمير الصحفيين الوطنيين، الذين يدركون أن للكلمة مفعول الرصاصة، وأنهم مسؤولون أمام الله والتاريخ والشعب.
*وفي هذا الإطار، نوجّه الرسالة الآتية:*
* إلى السيد وزير الإعلام والثقافة، وقيادة جهاز المخابرات العامة: في ظل التطورات المفصلية التي يعيشها السودان، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة ضبط وربط المشهد الصحفي والإعلامي، وفق مقتضيات الصحافة الحرة المسؤولة، التي تنطلق من وعي وطني صادق، وتعمل على تعزيز وحدة الصف الداخلي وصيانة الأمن القومي.
* لقد لاحظنا بقلق أن بعض الأقلام والمنابر انحرفت عن الدور القومي الجامع، وانزلقت إلى مهاوي الاصطفاف الضيق، في لحظة تتطلب أقصى درجات الانضباط الإعلامي، والالتفاف خلف راية الوطن، لا رايات الأجندات الخاصة.
* ومن هنا، فإننا نأمل تحركًا رسميًا مشتركًا ومسؤولًا من الجهات ذات الصلة، لإرساء ضوابط مهنية وتنظيمية وتشريعية، تضمن حرية الصحافة وتحميها من الانحراف، وفي ذات الوقت تضع خطًا أحمر حول الأمن القومي السوداني ووحدة ترابه وتماسك شعبه.
* إن الإعلام في لحظات التحوّل الكبرى ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية، وحسن توجيهه وصيانته مسؤولية لا تقبل التأجيل.