منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. السر احمد سليمان يكتب: *لنتعلم تقديم السيرة الذاتية من النبي يوسف عليه السلام*

السر احمد سليمان
0

السيرة الذاتية (Curriculum Vitae) والتي يشار إليها اختصارا بالحرفين (CV) هي وثيقة شخصية رسمية يتم إعدادها وتقديمها باحترافية عالية لكي يعرف بها الفرد نفسه للجهات المخدمة.

وقد اتضح من خلال بعض الدراسات أنّ بعض الأفراد لا يجيدون إعداد سيرهم الذاتية. فالبعض يقدم سيرة ذاتية مقزمة لإمكاناته، فيختزل مكونات سيرته الذاتية إما زهدا متوهما، وإما جهلا وغفلة. كما أنّ هناك آخرين يضخمون من سيرهم الذاتية بصورة غير موضوعية. وهناك من يقدم من سيرته الذاتية ما لا يتعلق بطبيعة المهمة أو المهنة أو الوظيفة المتقدم إليها، بينما هناك قلة من الأفراد ممن يجيدون إعداد سيرتهم الذاتية.

وقد لاحظت ضعف مهارات إعداد وتقديم السيرة الذاتية لدى الطلبة الجامعيين من خلال تدريس بعض مقررات مهارات تطوير الذات، كما لاحظت أيضا وجود خلل في إعداد السيرة الذاتية لدى المتقدمين لشغل بعض الأعمال أو التكليفات القيادية.

ومن أجل تنمية مهارات إعداد السيرة الذاتية فقد نشطت العديد من مراكز ومؤسسات التدريب في استغلال هذا الجانب واستمثارها فيه بما يكلف الأفراد جهدا ومالا.

ويبدو لي أنّ الأمر يمكن أن يتم من خلال بعض الأنشطة المدرسية أو الجامعية أو المجتمعية المرتبطةبمهارات الحياة؛ وذلك بتقديم دورات ومقررات بسيطة تساعد في تنمية مهارة إعداد السيرة الذاتية.

وفي هذا الصدد فقد لفت انتباهي تقديم نبي الله يوسف عليه السلام نفسه لملك مصر في ذلك الوقت؛ كما ورد في هذه الآية:

﴿قَالَ ٱجۡعَلۡنِی عَلَىٰ خَزَاۤئنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمࣱ﴾ [يوسف ٥٥].

فهذه الآية قد تضمنت ثلاثة محاور أساسية في تقديم يوسف عليه السلام لنفسه أمام ذلك الملك؛ وهي:

أولا: تحديد المجال المهني الذي يستطيع أن يعمل فيه، وهو (خزائن الأرض)؛ والتي تشير إلى المهام المالية والاقتصادية والإدارية والتخطيطية.
فيوسف عليه السلام لم يطلب القيام بالمهام الصحية والطبية ولا العكسرية والحربية، و لا غير ذلك مما هو متاح، خاصة وأنّ الملك قد رغب في الاستعانة به؛ كما يتضح في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۤ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِیۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡیَوۡمَ لَدَیۡنَا مَكِینٌ أَمِینࣱ﴾ [يوسف ٥٤].
ولذلك أرى أنّ تحديد الفرد للمجال للذي يمكن أن يتقن العمل فيه من الضروري بمكان أن يكون مضمنا في السيرة الذاتية بل هو أحد محاور السيرة الذاتية المهمة.

ثانيا: تحديد نوعية القيم التي يلتزم بها الفرد، كما هو واضح في قول يوسف عليه السلام عن نفسه: (إِنِّی حَفِیظٌ). أي إنِّي حافظ لما استودعتني (الطبري). ويبدو أنّ كلمة (حفيظ) تمثل كلمة جامعة ومركزية للقيم الإيجابية التي تتطلبها المهمة التي حددها يوسف عليه السلام وهي القيام على الشؤون المالية والاقتصادية والإدارية للدولة.
وفي هذا المحور من الضروري أن يقدم الفرد القيم التي يلتزم بها مما يتناسب مع المهمة والوظيفة. كما أنّه من الضروري أن يقدم ما يؤكد ذلك من وثائق أو شهادات، كما نعلم من قصة يوسف عليه السلام أنّه وقبل أن يخرج من السجن طلب تبرئته من الاتهام الذي بسببه تم إيداعه في السجن، ولما حصص الحق ظهرت براءته التي تؤكد أنّه يمتلك هذه القيمة (حفيظ) وما يرتبط بها من قيم أخرى.

ثالثا: إبراز المؤهلات العلمية والتدريبية والخبرات التي يمتلكها الفرد، ويتضح ذلك من قول يوسف عليه السلام عن نفسه إنّه: (عَلِیمࣱ) أي: العِلْمُ بِتَدْبِيرِ ما يَتَوَلّاهُ، لِيَعْلَمَ المَلِكُ أنَّ مَكانَتَهُ لَدَيْهِ وائْتِمانَهُ إيّاهُ قَدْ صادَفا مَحَلَّهُما وأهْلَهُما، وأنَّهُ حَقِيقٌ بِهِما لِأنَّهُ مُتَّصِفٌ بِما يَفِي بِواجِبِهِما (ابن عاشور).

وفي هذا الجانب يكون من الأفضل أن يربط الشخص بين مؤهلاته وخبراته وطبيعة المهمة المهنية المتقدم لها، وأن يكون معه من الأدلة العملية والشهود والمرجعيات ما يؤكد ذلك، كما ورد في قصة يوسف من خلال شهادة صاحبه في السجن الذي تأكد من علمه ولجأ إليه ليفسر رؤيا الملك، فكان شاهدا ومزكيا لما يمتلكه يوسف عليه السلام من علم.

هذا والله أعلم

د. السر أحمد سليمان
أستاذ علم النفس بجامعة حائل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.