منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د.ابراهيم البشير عثمان يكتب: في المسرح السياسي الدبلوماسي للحرب على السودان (5-6)

0

د.ابراهيم البشير عثمان يكتب:

في المسرح السياسي الدبلوماسي للحرب على السودان
(5-6)

الشعبية يومها هي أهداف امريكا الاستراتيجية ، فلا ينبغي تخليها عن حليف استراتيجي مؤكد من أجل صديق وظيفي مؤقت . ذهب النميري و جاء سوار الذهب ثم الصادق..و تمدد دعم امريكا و حليفاتها للحركة الشعبية في خط تصاعدي مستمر .

ثم جاءت الأنقاذ من أجل أنقاذ السودان من السقوط في جحيم المشروع الاستئصالى ( شديد التماثل لدرجة التطابق مع ما يجري الان : اقرأ منافستو الحركة الشعبية عام 1983) للحركة الشعبية ، وهي تدرك يقينا حقائق دعم امريكا السياسي و اللوجستي لها .
في العام 1996 لم تعد الحركة الشعبية تسيطر على اي موقع كانت تحتله قبل هذا التاريخ . هنا تكاثفت وتائر الدبلوماسية الجبرية الأمريكية لأنقاذ جيش قرنق . لأجل ذلك صممت ما كان يعرف ” بشريان الحياة ” وهو خط الامداد بالمؤن و العتاد العسكري الذي ظل يغذي الحركة الشعبية لعشر سنوات لاحقة . انه منهج معتاد للدبلوماسية الجبرية تسعي امريكا اليوم لأعادة انتاجه في جنيف .
اكثر من عشرين عاما كانت امريكا و الترويكا داعمين يفيض وافر لحركة الجيش الشعبي بكل مطلوبات الصراع ضد السودان . و تحطمت على مدى عشرين عاما عشرات الدعوات من حكومات السودان المتعاقبة لوقف اطلاق النار و الجنوح لتسوية عادلة . تحطمت تلك الدعوات تحت ضغوط أمريكا وحلفائها على الحركة الشعبية لرفض التسوية مع حكومة السودان .
ثم ضخ النفط السوداني في اغسطس 1999 . و ما لبث أن بدت اثاره الموجبة على مجمل الحياة ، كما كان موجبا على تسليح و امداد القوات المسلحة . في هذه المرحلة فقط ظهر التحول المتسارع من جهة امريكا والغرب عموما ، لأنهاء التسوية السياسية إعجل ما يمكن . تقديرات الموقف الأمريكي كانت تقول إن الصعود الأقتصادي للسودان حينها بسبب عائدات النفط لا بد أن يفضي للصعود في وتائر التصنيع العسكري و ما يترتب عليه من اختلال في موازين القوة لصالح السودان . واصبح من كانوا – لأكثر من عشرين سنة – يحرضون حركة قرنق لتمتنع عن اجابة أي دعوة للسلام ، يسارعون مع عقارب الساعة لوقف الحرب و المضي الى تسوية سلمية . لم تكن تلك دعوات منشأها الرغائب الإنسانية الخيرة المحبة للسلام ، و انما حركها توجس مقلق لديهم من تفوق الجيش السوداني بسبب ما توفر له من عتاد وامداد . و لأجل ذلك أجرى الرئيس الأمريكي بوش الابن محادثات هاتفية بالرئيس عمر البشير ، وزار الخرطوم وزير الخارجية كولن باول ، و الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ، و اعداد لا حصر من الدبلوماسيين و السياسيين و البرلمانيين – امريكيين و اوربيين – جميعهم ينسج على منوال واحد هو ؛ ابرام التسوية السياسية مع الجنوب و بنحو متسارع . وظلت الاداة الابرز في جميع ذلك الزخم هي أداة الدبلوماسية الجبرية.
وفي هذا السياق – كما كتبت وزيرة التعاون الدولي النرويجية هيلدا جونسون – عمد إثنان من أعضاء الكونغرس الأمريكي هما دونالد باين و ثوماس تانكريدو الى تحرير رسالة الى الرئيس الأمريكي بوش الابن تحوي إثني عشر إسما لسودانيين ، جلهم ضمن الفريق الحكومي المفاوض في نيفاشا ، يتهمانهم فيها بتهم زائفة بأعمال ارهابية أبان فترة سابقة من حياتهم السياسية . ويدعوانه لاصدار عقوبات بحقهم . و انتهى سيناريو تلك الضغوط بأصدار ما أسموه قانون سلام السودان . جميع ذلك الحراك المحموم كان هدفه استخلاص صيغة للتسوية تحت التهديد تتبنى ما تريد امريكا حصاده من استثمارها السياسي طويل الأجل في حرب الجنوب . ( أظن القارئ الكريم يرى التماثل المتطابق مع ما يجري هذه الايام !!)
قالت الوزيرة النرويجية هيلدا جونسون – وقد كانت دائمة الحضور في نيفاشا – انها بتنسيق مع حلفائها الامريكيين نقلت مضامين تلك الضغوط و التهديدات للفريق الحكومي المفاوض علها تحدث شرخا تتسرب منه رغائب الامريكيين في استخلاص اقصى ما يمكنهم من املاءات . كان رد الفريق المفاوض إن ابلغوا هيلدا بأن مثل تلك الضغوط و التهديدات لن تنتج حصلية موجبة في خزائن من أطلقها.
على هذا المنوال كانت تجري – ولم تزل – مناهج الدبلوماسية الجبرية الأمريكية..و الراجح عندي اعمالها فيما دعت إليه ادارة بايدن في أخر أيامها هذه قائد الجيش الى جنيف ، مدفوعة في ذلك بما استجد من تغيرات مهمة لمراكز القوة في النظام الدولي الراهن ليست في مصلحة امريكا ، خاصة ما بدى واضحا إن قطبا دوليا عالميا موازيا يجري تشكله بتقدم نشط . هذا قطب تخلو صحائفه من أدوات التسلط الجبري التي كانت و لم تزل هي ما يصبغ علاقات السودان بأمريكا و حلفائها في الكتلة الأولى من تحالف العدوان على شعب السودان و جيشه.

و لكن دعنا نفترض إن الرئيس البرهان قرر المشاركة في هذا الأجتماع ، و هو أفضل سيناريو للامريكيين و الاماراتيين مثلما هو أفضل سيناريو للدعم السريع و حواضنه السياسية .
لكنه بالمقابل السيناريو الاسوأ للمؤسسة العسكرية السودانية بفصائلها المختلفة ، و للغالب الساحق من الشعب السوداني .
د. ابراهيم البشير عثمان
سفير سابق وأستاذ العلوم السياسية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.