منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وقائع وتوقعات د.ربيع عبدالعاطى عبيد يكتب : من أجل الإصلاح …. لا إفراط ولا تفريط

0

وقائع وتوقعات
د.ربيع عبدالعاطى عبيد يكتب :

من أجل الإصلاح …. لا إفراط ولا تفريط

إنّ المبالغات والنسج على الخيال ، دون واقعية هو من قبيل الإفراط فى التمنى والتحلى ، وهذا لا يتوافق مع الذين يعلمون علم اليقين بأن إمكانياتهم محدودة ، وقدراتهم لما بعد يمكن أن تحقق ذلك الذى وضعوه كهدف لهم ، وهؤلاء من باب أولى أن يخضعوا أنفسهم وقدراتهم للميزان العقلى ، وهذا لا يعنى أن تقتل معانى الطموح ومغالبة الصعاب فى نفوسهم ، لكنهم برغم ذلك لا يجوز لهم منطقاً ولا واقعاً ، أن يعبروا بالسباحة فى محيط لا ساحل له ، أو يطلبوا ثمراً بوادٍ ليس فيه زرع .

ü والإفراط فى التمنيات ، وتضخيم الذات ، والإتكاء على التاريخ ، أو الوظيفة العامة ، أو الوزارة ، كلها معرضة إلى تبخرّ كما تتبخر الماء بفعل الرياح ، ومتقلبات الحال ، ومتغيرات الظروف .

ü فالذى يملك أموالاً ، ويغوص فى ثروة ، لا يعلم ماذا تخفى له الأيام ، ولقد حدثنى أحد الأخوة الأفاضل بأنه قد عاش فترة للغنى ، وأخرى فيها داهمه الفقر ، وخلا جيبة من دريهمات يقمن الصلب ، ويكفين الأود وذلك بسبب أنه أفرط فى الصرف على الكماليات ، وشطح فى الرفاهيات ، ولم يضع إعتباراً لزمنٍ قادم ، أو موسم سيحل فيه الجفاف ، ويغيض الماء .

ü وشخص آخر ، أعرفه تماماً ، وأدرك مدى إمكاناته العلمية ، ومؤهلاته الأكاديمية ، قد قذفت به حركة السياسة ، ومعادلاتها التى لا تخضع لعلم الحساب ولا الرياضيات ، فأصبح حاكماً ، يأمر فيطاع ، ويوجه فلا يعترض عليه أحد ، وتتبعه فى حله وترحاله مجموعات ، بعضها يحيط به حارساً ، كما يحوط السوار بالمعصم ، والبعض الآخر يزين له القبيح ، ويقبح له الجميل ، فتخيل هذا الرجل بأن هذا الحال سيدوم ، ولكن دوام الحال من المحال .

ü وعندما أفل نجم الرفاهية ، وسحب بساط السلطة ، ظل الرجل متوهماً بأن وضعه لم يتغير ، فأصبح يسافر بالدرجة الأولى ، وتُحجز له فنادق الخمسة نجوم ، ، لكن كل ذلك ليس بنقدٍ مدفوع ، وإنما بحساب آجل ، فوجد الرجل نفسه تحت وطأة دين كثيف ، وما كان الدائنون يقرضونه بالمال ، إلا لأنهم إتكأوا على ما كان للرجل من هيلٍ وهيلمان ، وما كنت شخصياً أظن بأن شخصاً كان ملئاً للسمع والبصر ، سيقبع يوماً فى زنزانة ، ثم يودع السجن لبضع سنين .

ü وهذه الحالة ، من الأفراط تنطبق على كثيرين ، منهم الدائنون ومنهم المدينون .

ü والتفريط هو كذلك صنوٌ للإفراط ، فمن فرط فى ماله لا يقل عن اللص الذى يبيع المسروقات بأبخس الأثمان ، والذى يفرط فى سلطته ستصبح سلطته نهباً مقسماً للمفسدين والمستغلين ، والدجالين الذين لم يتخصصوا فى فنٍ ، ولا علمٍ ، لكنهم وجدوا بغيتهم فى حرق البخور ، ودق الطبول والرقص فى حفلة لم يدفعوا تكاليفها .

ü والتفريط آفة ، أبتلى بها فى هذا الزمان ، أناسٌ ، لم يعرفوا قدر أنفسهم ، ولا الذين بالإمكان تلقى النصيحة منهم ، أو أولئك الذين يتوجب على المرء الإبتعاد عن مصادقتهم ، أو مصاحبتهم ، أو الإستعانة برأى لهم ، وهو رأى فى الأساس ، لا يمت إلى الإصلاح بأدنى صلة ، ولا إلى النصيحة بأى قدر من المقدار .

ü وعندما يتصف المرء ، بمثل تلك الصفات ، فإنه لا يستطيع التمييز بين الصالح والطالح ، ولا بين الفائدة والخسارة ، وهؤلاء هم العشوائيون الذين تتحول النعمة لديهم إلى نقمةٍ ، فى لحظة من ليلٍ ، أو نهار ، وعليهم ألا يظنوا بأن محصلة أفراطهم وتفريطهم ستكون عاقبة حُسنى ، وإنما هى الخسارة الماحقة ، والمذلة القادمة ، وعض البنان .

ü والمفرطون ، والسالكون لطريق الإفراط ، لا فائدة فى مالٍ يتقلبون فى ملذاته ، ولا مستقبل لسلطة يمسك بتلابيبها لديهم السُفهاء .

ü وإن جاز التعبير ، فإن من تثبت سفاهته ، تسقط أهليته ، ومن ثبتت غفلته ، هو كذلك ينطبق عليه نفس الحكم ، وذلك وفقاً للمنطق الذى به تصدر الأحكام لدى القضاء .

ü فالسُفهاء والمغفلون هم جميعاً ثمرة خبيثة لصفات الأفراط وتربية وثقافة التفريط ، وذلك جلبابٌ لا يلبسه إلا من وقع فريسة فيه ، ويا ليتنا جميعاً نسقط تلك المقاييس على أقوالنا وأفعالنا وممارساتنا ، ورحم الله رجلاً عرف نفسه .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.