محمد التجاني عمر قش *الخدمة المدنية معيار للتطور!*
محمد التجاني عمر قش
*الخدمة المدنية معيار للتطور!*
إذا أردت أن تعرف مدى تطور بلد ما من تخلفه فأنظر إلى نظام الخدمة المدنية في ذلك البلد وسوف تظهر لك حقيقة الوضع لا محالة! والخدمة المدنية في السودان راسخة جداً، ولكنها عانت من تشوهات متعددة أقعدتها عن القيام بالدور المنوط بها، ولذلك تردت الجوانب الإدارية وأنحسر الأداء وضعفت الخدمات في كافة المجالات كالتعليم والصحة وغيرها، وتفشت الرشوة وتعطلت مصالح الناس وساد الفساد بشكل مريع! ولذلك كان من الضروري عقد مؤتمر الخدمة المدنية ببورتسودان لمناقشة كيفية النهوض بهذا القطاع الحيوي من السلطة التنفيذية للدولة، وقد شرفه السيد رئيس مجلس السيادة سعادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقد أدلى سعادته بمؤشرات وموجهات مبشرة جداً من شأنها أن تفتح نفاجاً للخروج من أزمة الخدمة المدنية في السودان استعدادا لتصحيح كثير من الأمور من أجل إعادة التعمير والبناء والسير نحو النهضة والتطور خلال فترة ما بعد الحرب، من أجل بناء سودان جديد متطور وقادر على النمو والعمل والإنتاج، وكل ذلك لن يتحقق إلا بوجود خدمة مدنية حديثة ومتطورة تستوعب مستجدات هذا العصر، وتلبي تطلعات المجتمع السوداني وطموحاته.
تاريخيا عندما نال السودان استقلاله في عام 1956، ورثت الدولة نظاماً مستقرا للخدمة المدنية يقوم أساسا على الكفاءة ولكن تدريجيا بدأت الخدمة المدنية تفقد بريقها وكفاءتها نتيجة لعوامل كثيرة منها تسييس هذه الخدمة في كل الحقب السياسية التي تلت الاستقلال تحت ذريعة التطهير الوظيفي مثلما حدث في أول عهد مايو على يد الحزب الشيوعي السوداني، وتكررت التجربة الضارة في أول سنوات الإنقاذ ولذلك فقدنا كوادر إدارية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة استفادت منها دول المهجر فطورت نظام خدمتها المدنية حتى كادت توصل إلى مصاف الدول المتطورة في هذا المجال بأيدي أشخاص سودانيين مخلصين!
ومن أسوأ ما لحق بالخدمة المدنية الجهوية والمحسوبية والمحاصصة حتى أن بعض الوظائف صارت حكراً على أبناء جهات وجماعات بعينها لا يحق للآخرين التنافس عليها مهما بلغوا من التأهيل والكفاءة والقدرة وغيرها من متطلبات التوظيف في قطاع الخدمة المدنية. ومن المؤسف أن معايير الاختيار للخدمة المدنية في بعض الفترات لم تكن تعتمد على التأهيل ولا النزاهة ولا الخبرة، بل على قرب المتقدم للوظيفة من هذا الحزب أو ذلك المسؤول في الدولة!
وإذا أردنا أن نعيد قطاع الخدمة المدنية إلى مساره الصحيح لابد لنا من الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى ذلك ومن أولها مراعاة المصلحة العامة في كافة الأحوال وتولية القوي الأمين وهو في هذه الحالة الأشخاص الذين نالوا قدراً معقولا من التأهيل في المجال المعني ومن ثم تدريبهم ومراقبتهم عبر نظام دقيق وشفاف ينبني أساساً على النزاهة ومراعاة مبدأ المحاسبة والالتزام به تحت جميع الظروف. ولتفادي النمطية والجمود في العمل وتطوير الأداء في الخدمة المدنية دعونا أولاً نترك أورنيك 15 جانباً فقد عفى عليه الدهر وتجاوزته الأحداث واستبداله بحوسبة المعاملات المدنية والسعي لإدخال الحكومة الإلكترونية على كافة المستويات الإدارية ومراجعة وتحديث نظام وقوانين الخدمة لتتماشى مع روح العصر ومتطلبات النهضة.
٣٠ أبريل ٢٠٢٥