منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

امواج ناعمة  *نحيب على تلال العزة المستباحة* د. ياسر محجوب الحسين

0

امواج ناعمة

*نحيب على تلال العزة المستباحة*

د. ياسر محجوب الحسين

ياسر محجوب الحسين

يا ويح قلبي، لم تُضرب إيران فجر اليوم حين اخترقت الصواريخ سماءها، بل ضُربنا جميعا، حين صار كلُّ بلدٍ في هذه الأمة يتمنى أن ينجو بنفسه، حتى لو احترقت ديار الجار. لم تكن الضربة الإسرائيلية مجرد عملٍ عسكري، بل إعلانًا صارخا بأن المنطقة أضحت ساحة مفتوحة، تُدار بالريموت الأمريكي، وتُنفذها القاعدة المتقدمة في تل أبيب، تلك القاعدة التي تُسمى زورا إسرائيل.
إيران لم تُستهدف اليوم فقط، بل كانت تتلقى الضربات منذ أن اُستنزفت في حربٍ ضروس مع العراق، حربٍ دُبِّرت بليلٍ لتفتك بالقوتين الكبريين في المشرق الإسلامي. إيران والعراق – رغم تناقضاتهما العقائدية والسياسية – كانا قوتين ضاربتين، تثيران القلق في حسابات واشنطن، فأُطلق عليهما رصاص الانتحار المتبادل، حتى خرجا منهكين، وأُفرغ المشرق من أي توازن حقيقي يمكن أن يقف في وجه أمريكا أو يدفع إسرائيل إلى الوراء.
وها نحن نشهد النسخة الجديدة من تلك المسرحية، لكن بممثلين جدد وديكور أكثر قسوة. الضربة الإسرائيلية اليوم لم تكن نابعة من “حق الدفاع” كما يزعم إعلامهم، بل من يقين القوة؛ يقين أن المنطقة مفككة، وأن الجبهة المقابلة تتنازعها الولاءات والمصالح والخوف. أما إسرائيل، فليست دولة حقيقية بمعنى السيادة، إنما هي قاعدة أمريكية مزروعة في قلب الشرق، تُدار من البنتاغون، وتُغذّى من الكونغرس، وتُبرَّر جرائمها من منابر الغرب وكراسي بعض العواصم العربية.
العالم العربي والإسلامي، كالعادة، يقف مذهولا. لا يدري أيدين أم يصمت؟ شعوبٌ مربكة، وأنظمة مرتبكة، وعواصم باتت تُفكر لا في نصرة المستهدف، بل في كتابة رسائل الودّ للمستهدِف. فكل نظام يهمس في داخله: “ماذا يُمكنني أن أقدّم من فروض الطاعة حتى لا أكون التالي؟”. لقد أصبح بقاء العروش مرهونًا برضا واشنطن، وأمن الحدود مرتهنًا لصمت تل أبيب.
لكن الغفلة الكبرى، أن هذا المارد الأمريكي لا يشبع. كلما قُدّمت له القرابين، ازداد جوعًا. إنه وحشٌ استُدعي إلى الدار فاستوطنها، ويظن أهل الدار أنهم يملكون نجاتهم بمزيد من التوسل. أما الحقيقة، فهي أن كل من انحنى له اليوم، سيُكسر غدًا، واحدًا تلو الآخر، ولو كانوا يعلمون.
الضربة التي تلقتها إيران ليست كسابقاتها، فهي تأتي في لحظة تتشابك فيها الملفات النووية، والصراعات الحدودية، والحسابات الانتخابية في تل أبيب وواشنطن. وبالتالي، فإن الرد الإيراني إن وقع، فلن يكون لحفظ ماء الوجه فحسب، بل لترميم صورة الردع التي تعرضت لثُلمة أمام شعبها وحلفائها. غير أن إيران، وقد خبرت حروب الظل والاستنزاف، لا ترد بعجلة، بل ترد بميزان بارد. لكنّ العالم، المتوتر أصلاً، لا يحتمل مزيدا من اشتعال الجبهات، ما يجعل المنطقة كلها تعيش الآن على حد السكين، بين ردٍّ قادم لا محالة، وانفجار شامل لا أحد يريده، لكن الكل يتهيأ له.
الضربة تكشف، مرة أخرى، أن ما يُسمى “توازن القوى” في المنطقة لم يكن سوى سراب. إيران، رغم ما تبنيه من صواريخ وتحالفات ونفوذ، ضُربت بيسر، وفي عمقها، دون أن تتحرك دفاعاتها كما يجب، أو تُردع إسرائيل قبل الفعل. أما العرب، فجلّهم بين شامت صامت أو قلق ساكت. لا تحالف ردع، لا تنسيق دفاعي، ولا حتى خطاب موحد. الضربة لم تضعف إيران وحدها، بل كشفت كم أن كل “الأقوياء” في المنطقة، بمن فيهم طهران، باتوا يتنفسون من رئة أمريكية ويتحركون ضمن مساحة رسمها الغرب وحدد سقفها.
أما الردود العربية، فجاءت كمن يبلع الغصة بابتسامة: بيانات باهتة، قلقٌ مكرور، أو تجاهل تام، وكأن الصواريخ سقطت على كوكب آخر. بات المشهد العربي محكومًا بمنطق “السلامة في الصمت”، وصار التضامن تهمة، والمواقف الجريئة من المحرمات السياسية. في زمنٍ سابق، كانت ضربة بهذا الحجم كفيلة بجمع القمم وتحريك الشارع، أما اليوم، فلا قمم ولا حتى بيانات مكتملة، بل سباق محموم نحو “صفّ العقلاء”؛ أولئك الذين يباركون الضربة سِرًّا، ويستنكرونها خجلاً، ويتهيأون ليكونوا في “الصف الآمن” حين تنزل الضربات القادمة.
13/06/2025
للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب:
‏https://shorturl.at/YcqOh

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.