منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي *السودان ونقلات الدومينو الإقليمية*

0

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

*السودان ونقلات الدومينو الإقليمية*

في ظل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تتجلى في منطقة الشرق الأوسط ظاهرة “لعبة الدومينو”، التي تمثل سلسلة من الأحداث المتتابعة يؤثر كل منها في الآخر بشكل متسلسل . ورغم أن المواجهة بين طهران وتل أبيب لا تزال محدودة من حيث النطاق الجغرافي، إلا أن تداعياتها تتجاوز الحدود، لتطال دول الإقليم بأسره، خاصة تلك الواقعة على خطوط تماس النفوذ أو التي تشكّل منطقة عبور.

في هذا السياق، يحاول هذا المقال استكشاف كيفية تداخل الحسابات العسكرية مع المصالح الاستراتيجية للسودان، في ظل هذه التطورات، وما قد ينتج عنها من مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في المنطقة، إلى جانب قراءة لتحركات السودان المحتملة لطيّ ملف الحرب.

ورغم الطابع المحدود الحالي للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية، إلا أن ارتداداتها مرشحة للوصول إلى معظم دول المنطقة، لا سيما لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وربما حتى الإمارات. هذا المشهد يهدد بإعادة تشكيل خارطة التحالفات، ويفرض ترتيبات أمنية جديدة في مناطق النفوذ التقليدية.

أما السودان، فهو ليس بمنأى عن هذه التطورات. إذ يمكن أن تظهر انعكاسات هذا الصراع على ثلاث مستويات رئيسية: أولًا: اقتصاديًا من المرجّح أن تؤدي اضطرابات أسواق النفط، والتوترات في خطوط الملاحة بالبحر الأحمر، إلى تعميق الضغوط على الاقتصاد السوداني المرهق أصلًا بفعل الحرب. وقد يكون من الضروري التفكير جديًا في إيجاد منافذ بحرية بديلة، استنادًا إلى تجارب سابقة، مثلما حدث في عام 2021 حين لجأت الحكومة السودانية إلى مينائي العين السخنة والإسكندرية في مصر ، نتيجة تكدّس الحاويات في ميناء بورتسودان.

ثانيًا: سياسيًا قد يتأثر الوضع السياسي الداخلي بانشغال بعض الحلفاء الإقليميين لمليشيا الدعم السريع بالمواجهة الكبرى، مما قد يُضعف مستوى الدعم السياسي واللوجستي المقدَّم لها، ويدفع القوى المحلية المتحالفة معها إلى مراجعة حساباتها ومواقفها لصالح فكرة الاستقرار السياسي واعادة التموضع .

ثالثًا: أمنيًا تزداد المخاوف من تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة صراع، في ظل التنافس الإقليمي على الموانئ الحيوية ومضيق باب المندب. ويشكّل موقع السودان، الذي يمتد على ساحل استراتيجي، عنصرًا حساسًا في هذا التوتر، ما قد يدفعه لاتخاذ مواقف سياسية تحافظ على مصالحه الوطنية العليا في بيئة متقلبة.

وفي سياق المتصل، لا يمكن إغفال التحركات العسكرية الأخيرة لقوات المشير خليفة حفتر في المثلث الحدودي بين السودان، مصر، وليبيا. هذه التحركات التي قابلها الجيش السوداني بإجراءات رادعة قد تُفهم كجزء من مساعٍ لفرض نفوذ غير مباشر على منطقة تشكّل ممرًا للأسلحة والمقاتلين، أو لإرسال رسائل سياسية وأمنية إلى الأطراف الإقليمية بأن ليبيا الشرقية لن تبقى بمعزل عن ديناميكية ما يجري في السودان. كيف يمكن قراءة هذه التحولات بالنظر الي فرضية نهاية الحرب في السودان؟

هناك مقاربتان محتملتان للإجابة: الأولى التفاؤل الحذر.. قد يؤدي انشغال الداعمين الإقليميين للمليشيا إلى تراجع التدخل الخارجي، ما يفتح أمام الجيش السوداني فرصة استراتيجية لتسريع عملياته العسكرية، واستعادة السيطرة على كامل التراب الوطني، خصوصًا في ظل انعدام الغطاء الدبلوماسي واللوجستي الذي كان يوفّر للمليشيا لاستمرار الصراع. هذا التغيّر الإقليمي قد يشكّل لحظة سانحة لتقليص نفوذ التمرّد، إذا ما أُحسن السودان استغلالها .

الثانية: التصعيد المبتز.. من جهة أخرى، قد تحاول بعض الأطراف المحلية المتحالفة مع المليشيا استغلال تداعيات الحرب الإقليمية لتأجيج الوضع الداخلي، عبر التلويح باستغلال أزمات الإمداد والخدمات المحتملة ، بهدف فرض أمر واقع جديد. هذا السيناريو يهدد بإحداث فوضى داخلية مصطنعة، تتطلب يقظة من القوى الوطنية الحريصة على أمن البلاد واستقرارها.

بالمقابل هناك تحركات إقليمية نحو السلام؟ حيث تناقلت الاخبار حديث عن تحركات قطرية وتركية هادئة لإحياء مسار السلام في السودان، على غرار الدور القطري السابق في دارفور. ورغم أن هذه المساعي قد تساهم في خلق توازن سياسي ضروري، إلا أن بناء الدولة السودانية في هذه المرحلة، يتطلب مقاربة عقلانية لمعادلات القوة والدولة، وموازنة دقيقة بين الانفتاح الخارجي وحماية القرار الوطني، بعيدًا عن العزلة أو الخطاب الإيديولوجي.

في ظل هذا المشهد الإقليمي المتوتر، والتحركات العسكرية والسياسية المتسارعة، تبدو الفرصة سانحة، بحسب ما يظهر من #وجه_الحقيقة، للضغط نحو استعادة السلام في السودان، عبر مزيج من الحسم العسكري والعمل السياسي. غير أن هذا يتطلب إرادة داخلية قوية، وجهدًا دوليًا جادًا. ولا شك أن السودان، بموقعه الجيوسياسي، لا يزال في قلب التوازنات الإقليمية، ما يستوجب فهمًا عميقًا ومعرفة دقيقة بمسارات القوى لضمان أمنه وسلامه المستدام.

دمتم بخير وعافية.
الأحد، 15 يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.