منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

✒️ صهيب حامد *الحرب الإيرانية-الإسرائيلية.. إنعطافة التاريخ الأخيرة في حقبته الإمبريالية الأمريكية!!. (٢-٥)*

0

✒️ صهيب حامد

*الحرب الإيرانية-الإسرائيلية.. إنعطافة التاريخ الأخيرة في حقبته الإمبريالية الأمريكية!!. (٢-٥)*

صهيب حامد

حسناً.. وكما أسلفنا في الحلقة السابقة ورجوعاً للأهداف التي حددتها إسرائيل لشن حربها على إيران ، فلقد برهنت الأحداث الجارية عدم قدرة إسرائيل على المساس بالمشروعين النووي والصاروخي لإيران ، لعوزها القدرة العسكرية لفعل ذلك. لقد نجحت إسرائيل في إستهداف مصنع أصفهان لليورانيوم الخام نتيجة وجده لأسباب فنية على سطح الأرض ، فالمصنع يقوم بالمعالجة الأولية لليورانيوم تمهيدا لإرساله لكل من (نتنز) و(وفوردو) و(بوشهر) وهي المواقع الأساسية لإنتاج اليورانيوم المخصب والوقود النووي والتي لم تستطيع إسرائيل إلى اليوم تدميرهم. بالطبع لم يمس حتى الآن موقع (بوشهر) لخطورة ذلك على المنطقة في حال حدوث تسرب إشعاعي لوقوعه على ساحل الخليج مباشرة علي مرمى حجر من دول مجلس التعاون الخليجي. لذا تطالب إسرائيل بضرورة التدخل الأمريكي في الحرب تحت حجة إمتلاك هذه الأخيرة القدرة على إلحاق الأذى بالمواقع الأساسية لإنتاج اليورانيوم المخصب بإيران ، وإن شكك د.يسري أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق حتى في إمتلاك الولايات المتحدة القنابل الكفيلة للوصول للعمق الذي تقع فيه أجهزة الطرد المركزي للمشروع النووي الإيراني بكل من (نتنز) و(فوردو)!!.

ذلك من جانب ، أما على جانب آخر فلقد حافظت هذه الحرب ليومها الرابع (١٦ يونيو) على توازن تمظهر في تفوق إيراني صاروخي أربك العدو الإسرائيلي ملحقاً به أكبر أذى منذ قيامه في ١٩٤٨م ، و تفوق جوي إسرائيلي بفضل إمتلاكه طائرات ال F35 الشبحية من الجيل الخامس والتي حرصت الولايات المتحدة على حصرية إمتلاك (العدو) لها في الشرق الأوسط. فلقد عبّر تساحي هنغبي (Tzachi Hanegbi) رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي صرّح بأن هذه الحملة لن تنجح في وقف خطر الدولة الإيرانية على إسرائيل ، فليس خافياً عدم إمكانية المقارنة بخصوص الجغرافيا والديمغرافيا بين البلدين وإفتقار إسرائيل العمق الإستراتيجي والتنوع التضاريسي والجوار الحليف فهي محاطة بطوق عربي معادي (مصر ، لبنان ، الأردن ، سوريا). وكما ستواظب إسرائيل على إستهداف مخازن الصواريخ ومنصات الإطلاق لإسكات الردع الإيراني ، كذلك فسوف تواظب إيران على إستهداف المهابط والقواعد الجوية لإسكات الردع الإسرائيلي كما فعلت إيران أمس في قاعدة (نيفاتيم) الجوية. إذن ها هنا ولمعرفة مصير هذه المعركة فليس من سبيل سوى تحليل الرهانات الإستراتيجية لها ، فكل من إسرائيل وإيران كمنظومات جيوسياسية إقليمية فهي في المنتهى جزء من تحالفات جيوسياسية أكبر على الصعيد العالمي. بلا شك فإن إسرائيل هي جزء أساسي من الإستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة تكوينها وهو ما إستدعى إلتزام أمريكي مستدام لضمان أمن إسرائيل بمعزل من المنظومة السياسية الحاكمة في البيت الأبيض. كذلك فإن إيران قد حافظت على شراكة إستراتيجية مع كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وهو ما إنعكس على حزمها التسليحية خصوصاً مشروعيها النووي والصاروخي اللذان إعتمدا على تعاون روسي كوري ملحوظ. إلى جانب بروز الصين كشريك إقتصادي مهم للدولة الإيرانية وهو ما حدى بكل من الصين وإيران التوقيع على برنامج الشراكة الإستراتيجية الشاملة ، وهي إتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي مدتها 25 عامًا لتعزيز العلاقات الإيرانية الصينية، وُقعت في العاصمة الإيرانية طهران في 27 مارس 2021. لقد أقرّت الصين إستثماراً قدره 400 مليار دولار أمريكي في البنية التحتية لقطاع النفط والصناعة والنقل الإيراني مقابل إمداد مستدام للصين من النفط الإيراني بسعر منخفض للغاية.

لقد منعت العقوبات الأمريكية إيران من تجديد بنيتها التحتية في قطاعي الصناعات البترولية والنقل والبتروكيماويات وهو ما إنعكس على وضعها الإقتصادي الذي يعاني من التضخم والحصار مما فاقم أزمتها السياسية. وهكذا صارت الدولة الفارسية الأكبر في العالم هي الكعكة التي تهفو لها أفئدة الدول الكبرى (الصين والولايات المتحدة). لقد إستطاعت الصين اللحاق بغريمتها (الولايات المتحدة) في مضمار السباق الإستراتيجي ، فخلقت توازناً تكنولوجياً مع المنافس الأمريكي خصوصاً في مجالي الذكاء الإصطناعي والرقائق الإلكترونية مما جعل عمالقة التكنولوجيا الصينية (هاهاوي) و(شاومي) تكادا تتفوقان على (آيفون) الأمريكية ، بل تفوقت بي واي دي (BYD) على كل شركات صناعة السيارات في العالم بما فيهم (تسلا) الأمريكية. لقد أطلقت الحرب الهندية الباكستانية رصاصة الرحمة في أكذوبة التفوق العسكري الغربي خصوصا بعد تفوق طائرات (J10c) الصينية على الرافال (Rafale) من الجيل الرابع ونصف ، وهو ما سلّط الأضواء عالمياً على طائرات (J35) الشبحية الصينية من الجيل الخامس التي تتجاوز إمكانياتها الطائرة الأمريكية (F35) مما ينذر بأفول نجم التفوق الإسرائيلي في الشرق الأوسط خصوصاً في حال نجاح الصين ومصر في توقيع صفقة طائرات (J35) وهو ما سوف يخلق متغير إستراتيجي جدي في الشرق الأوسط.

إذن فإن الرهان على إيران هو رهان إستراتيجي بين القطبين ، فكما أسلفنا وبعد توقيع الصين وإيران برنامج الشراكة الزستراتيجية الشاملة لربع قرن ، فليس أمام الرئيس ترمب سوى إسقاط النظام الإيراني الحالي أو تركيعه ليصبح لقمة سائغة للشركات الأمريكية مثلها مثل دول الخليج وهي موارد لا غنى عنها للولايات المتحدة في سبيل تجاوز أزمة الدين الحكومي خصوصاً في ظل فشل الرئيس ترمب لتمرير صفقة الرسوم الجمركية!!.ولكن الأهم من المكاسب الإقتصادية هو سياق الصراع الجيوسياسي ، فبعد إضعاف (حزب الله) وتدجين المنظومة السياسية بلبنان لصالح إسرائيل ثم إسقاط نظام بشّار الأسد في سوريا (تم) ، فليس من قطعة تنقص هذه الإحجية سوى إسقاط النظام الإيراني الحالي (بله السيطرة على المنظومة السياسية العراقية) وهكذا كي يصبح الطريق مفتوحاً من بيروت إلى دمشق ثم بغداد ومنها لطهران!!. وهكذا كذلك كي تجد باكستان نفسها محاصرة بين الهند والمنظومة الجيوسياسية الجديدة الممتدة من شرق المتوسط إلى سواحل بحر العرب. هنا وبعد ذلك فليس من خطة أنجع من دعم الحركة الإنفصالية البلوشية بكل من إيران وباكستان ، ومن ثم تفقد باكستان وبضربة لازب أكثر من ثلث مساحتها (مساحة إقليم بلوشستان الباكستاني) وثلثي إطلالتها على بحر العرب (Arabian sea) بما في ذلك ميناء قوادار (The port of Gwadar) الاعمق في العالم الذي إستأجرته الصين من باكستان في إطار مشروعهما المشترك الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني (China—Pakistan ecnomic corredor) الذي يبدأ من ميناء (قوادار) وصولاً إلى شينقيانغ (Xinjiang) وهو إقليم صيني يقطنه المسلمون الإيغور. هذا الممر (CPEC) هو أحد إستراتيجيات الصين لتفادي المرور بمضيق ملغا (Malacca strait) الذي تسيطر عليه البحرية الأمريكية وهو الموقع الأول في العالم المرشح للإغلاق في حال نشوب توتر بين الصين والولايات المتحدة لذا فهو يعتبر جيوسياسياً أهم نقطة إختناق (Chokepoint) في العالم لمرور ٢٥٪ من التجارة العالمية و ٨٠٪ من الإحتياجات النفطية للصين عبره. إذن إن إحدى الأهداف الإستراتيجية الأكثر أهمية لهذه الحرب الجارية هي خنق الصين إنطلاقاً من إقليم البلوش بباكستان لتعطيل الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني ، وليس ذلك فحسب بل وبعد إسقاط النظام الإيراني فسوف تصبح باكستان نفسها وسط كماشة جيوسياسية معادية شرقاً (الهند) وغرباً (المنظومة الجيوسياسية الجديدة بإيران). وفي حال سقوط المنظومة الباكستانية الحالية تكون إسرائيل قد حققت السيطرة على القنبلة الإسلامية الوحيدة في العالم التي تثير مخاوفها ، وتكون الولايات المتحدة كذلك قد حقّقت حلماً إفلاطونياً بكسب موطئ قدم على الصفحة الغربية لإقليم شينقيانغ الصيني مستخدمة كرت (الإيغور) ضد بيكين إنطلاقاً من باكستان. إذن بلا شك فإن الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران هي حرب الصين بإمتياز في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن انتصر الحلف الأمريكي فسوف تتقليص حظوظ الصين بشدة في صراعها القادم مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس في الشرق الأوسط وجنوب آسيا فحسب بل في العالم أجمع بما في ذلك تقليص حظوظها لإستعادة تايوان وهو ما لن يتركها تقف مكتوفة الأيدي أمام حليفتها المهمة إيران..نواصل.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.