عمق المشهد / *نحو مشروع وطني سوداني خالص: دعوة للتلاقي والبناء من أجل المستقبل* بقلم:عصام حسن علي
عمق المشهد /
*نحو مشروع وطني سوداني خالص: دعوة للتلاقي والبناء من أجل المستقبل*
بقلم:عصام حسن علي
في خضم الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالسودان، تبرز الحاجة الملحة لمشروع وطني جامع، ينطلق من إرادة السودانيين أنفسهم، ويُبنى على رؤية واضحة تُلبي تطلعات الشعب، وتصنع مستقبلاً زاهراً يليق بما قدّمه من تضحيات وما يتحلّى به من صبر وصمود.
لقد أثبتت التجربة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحلول المستوردة لا تصنع استقراراً دائماً، ولا تبني دولة حديثة قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها. وما بين وعود لم تكتمل، ومسارات انحرفت عن غاياتها، تقف البلاد اليوم أمام فرصة تاريخية لصياغة مشروع وطني سوداني خالص، تتقاطع فيه رؤى كل القوى الحية من مختلف المشارب والانتماءات، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
هذا المشروع الوطني المنشود ليس شعارات تُرفع أو خطابات تُلقى، بل رؤية استراتيجية متكاملة تُخاطب جذور الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعالج تراكمات الفشل والإقصاء والتمييز، وتؤسس لدولة المؤسسات وسيادة القانون، وتكفل الحقوق والحريات، وتطلق طاقات الشباب، وتُعلي من شأن الكفاءة والنزاهة والعدالة.
إن مشروعاً كهذا لا يمكن أن يكتمل إلا بتكاتف الجميع—أحزاباً سياسية، قوى مجتمع مدني، إدارات أهلية، قطاعات شبابية ونسوية، وخبراء وأكاديميين، وكل مكونات الشعب السوداني دون استثناء. لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، ولا طرف يستطيع وحده أن ينهض بوطن أنهكته الصراعات وأثقلته الحروب. الوحدة الوطنية الحقيقية هي المدخل لبناء وطن يسع الجميع.
كما يجب أن يضع هذا المشروع نصب عينيه معالجة الاختلالات التي صاحبت العهود الماضية، من تهميش سياسي واقتصادي، إلى تفكك مؤسسي، إلى فشل في إدارة التنوع. فالمصالحة مع الماضي لا تعني تجاهله، بل الاعتراف بأخطائه وتضميد جراحه، ووضع حد لدورات الانتقام والثأر، وفتح صفحة جديدة قوامها الشفافية والمحاسبة والعدالة الانتقالية.
أما الحاضر، فيستوجب تعافياً سياسياً وأمنياً واقتصادياً متسارعاً، يوقف نزيف الوطن، ويمهد لعودة النازحين والمهجرين، ويعيد الحياة إلى المدن والقرى التي طالها الدمار. والمستقبل، لا بد أن يُبنى على الاستثمار في الإنسان السوداني، في تعليمه وصحته وفرصه، وعلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق نهضة تنموية متوازنة وشاملة.
إن السودان يستحق مشروعاً بحجم تطلعات أبنائه، مشروعاً ينهض من تراب هذا الوطن، ويُكتب بأيدي أبنائه، ويُكرّس لرفاهيتهم وكرامتهم. فلتكن هذه اللحظة بداية حقيقية لسودان لا مكان فيه للتهميش أو الفشل أو التبعية، بل وطن سيد حر متقدم، يسع الجميع، ويحقق الحلم الذي طال انتظاره.