*تقييد مكالمات الواتساب بين مخاطر التهكير وحرية التواصل* بقلم د.إسماعيل الحكيم.
*تقييد مكالمات الواتساب بين مخاطر التهكير وحرية التواصل*
بقلم د.إسماعيل الحكيم.
*Elhakeem.1973@gmail.com*
إن قرار تقييد مكالمات الواتس الصوتية والفيديو وتنفيذه يوم الجمعة ٧/٢٥/٢٠٢٥م أثار جدلاً واسعًا بين مستخدمي الإنترنت في السودان، حيث أعلنت هيئة الاتصالات والبريد عن قرارها بتقييد خدمات المكالمات الصوتية والفيديو عبر تطبيق “واتساب”، مبرّرة ذلك بضرورات الأمن القومي، في وقت تعيش فيه البلاد واحدة من أعقد وأخطر مراحلها التاريخية حيث لا تزال أصداء حرب الكرامة تلقي بظلالها على العاصمة الخرطوم وبعض المدن الكبرى.
جاء هذا القرار الرسمي في سياق ما وصفته الهيئة بمحاولة “الحد من الانفلات التقني” ومواجهة تصاعد حالات الاختراق والتهكير التي طالت حسابات عدد كبير من المواطنين، خصوصًا أولئك المقيمين في الخارج أو النازحين داخل البلاد. حيث استخدمت حساباتهم كمنصات للتسول الإلكتروني أو أدوات للابتزاز، في ظل غياب شبه كامل لنيابة أمن المعلومات مما جعل المواطن فريسة سهلة للابتزاز السيبراني دون غطاء قانوني أو أمني كافٍ.
وتشير مصادر تقنية إلى أن تطبيق “واتساب”، رغم شعبيته الطاغية، يعاني من ثغرات أمنية يسهل عبرها اختراق الحسابات، خاصة أننا نعاني ضعفاً بيئياً في الحماية السيبرانية في بنية الاتصالات السودانية الحالية بسبب تعرضها لأضرار كبيرة بفعل الحرب وتراجع الاستثمارات التقنية الملحوظ ..
من وجهة نظري فإن خطوة إيقاف خدمات المكالمات عبر واتساب قد تسهم مؤقتًا في تقليص مساحة الهجمات السيبرانية والتقليل من أخطارها ، لكنها لا تعالج جذر الأزمة المتمثل في ضعف منظومة الأمن الرقمي وغياب التشريعات الفاعلة وشحّ الكوادر المتخصصة في الجرائم المعلوماتية ناهيك عن قلة وعي المستخدم العادي بآليات حماية حساباته.
والمثير للانتباه أن القرار يأتي دون إعلان واضح عن خطة بديلة أو حملة توعوية راشدة أو دعم حكومي لتشجيع استخدام تطبيقات أكثر أمانًا أو محلية حتى ، ما يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مشروعة حول نية السلطات الفعلية من هذا الحظر هل الهدف حماية المواطن؟ أم ضبط تدفق المعلومات والحد من حرية التواصل؟
من الناحية الاجتماعية، يشكل “واتساب” شريانًا حيويًا للتواصل بين ملايين السودانيين في الداخل والخارج. فمع اتساع رقعة اللجوء والنزوح جراء الحرب بات تطبيق واتساب المنصة الأسهل والأرخص – إن لم تكن الوحيدة – التي تربط بين الأسر الممزقة. وبهذا فإن أي تقييد له دون بدائل فعلية، يعمق عزلة اجتماعية ونفسية مؤلمة، ويقطع جسور الود بين الأحبة لاسيما الذين لايحسنون التعامل مع الرسائل النصية ..
ففي وقت يُفترض أن تُبنى فيه سياسات الدولة على إعادة الثقة بين المواطن والحكومة، وتعزيز الشعور بالاستقرار والانتماء، تأتي مثل هذه الإجراءات لتفتح أبواب الشك والريبة. خصوصًا أن ما يُطرح من مبررات لا يُرفق بخطط واضحة للأمن السيبراني، ولا يُدعم بمؤسسات قوية للرقابة المعلوماتية.
إن الأمن القومي لا يتعارض بطبيعته مع حرية الاستخدام الرقمي، بل يتكامل معها حين يُبنى على أسس تقنية مدروسة، وتشريعات عادلة، وتثقيف مجتمعي شامل. أما الاكتفاء بالحظر كوسيلة للمنع، فإنه يأتي بنتائج عكسية، ويدفع المستخدمين إلى حلول بديلة – قد تكون أكثر خطورة – إن لم تتوفر رقابة أو تأمين.
يبقى السؤال مطروحًا هل تسعى الحكومة فعلاً إلى حماية المواطن من مخاطر التهكير، أم أن قرارها هو محاولة لتقييد حرية التواصل تحت لافتة “الأمن القومي”؟ سؤال مفتوح سيجيب عليه المستقبل أو حسابات جديدة تُخترق!
تحية وإحتراماً لهيئة الإتصالات والبريد وهي عين ساهرة على أمن وأمان المواطن السوداني..