منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

حوارات حول الأفكار…(140) ✍️حيدرمعتصم *من الأدلجة إلى التوطين: جدلية الهوية والأيدلوجيا في المشروع السياسي السوداني*

0

حوارات حول الأفكار…(140)

✍️حيدرمعتصم

*من الأدلجة إلى التوطين: جدلية الهوية والأيدلوجيا في المشروع السياسي السوداني*

 

من أبرز ملامح الأزمة السياسية السودانية أن التيارات الأيديولوجية – سواء الإسلامية أو اليسارية أو الليبرالية – لم تنجح في الخروج من مأزق “أدلجة الوطن”، بل كرّست عقودًا من الصراع السياسي الذي جعل من السودان مجرد ساحة لتصفية الحسابات الفكرية، لا مشروعًا وطنيًا جامعًا.

لقد تحوّل الوطن – عند معظم النخب السياسية – إلى غنيمة أيديولوجية، تُخاض المعارك من أجل الهيمنة على رموزه ومؤسساته، بدلاً من أن يُبنى على قاعدة توافقية تحترم تنوعه وتخدم مصالح أبنائه. فبدلًا من توطين الأيديولوجيا داخل الإطار السوداني الجامع، سعت هذه النخب إلى أدلجة الوطن ليصبح نسخة من تصوراتها الفكرية.

إن غياب مرجعية قومية مشتركة هو ما جعل الانتماء السياسي في السودان غالبًا ما يقوم على الاصطفاف لا على الحوار، وعلى الإقصاء لا على الشراكة. وأدى ذلك إلى حالة من الجمود السياسي، عطلت بناء الدولة، وشوهت الفعل السياسي، وحوّلت الانتخابات والمؤسسات إلى أدوات للاستقطاب لا أدوات للتداول والتشارك.

في هذا السياق، يصبح تأسيس تيار وطني جديد يتجاوز الأدلجة ضرورة لا خيارًا. تيار يبني مشروعه على مرجعية الهوية السودانية الجامعة، وعلى المصلحة الوطنية التي تتجاوز الانقسامات الفكرية الضيقة.

وهذا لا يعني مصادرة الحق في التنوع الفكري، بل يعني توطين هذا التنوع داخل حدود الوطن ومصالحه العليا، بحيث تصبح الأيديولوجيا وسيلة لفهم الواقع والعمل من أجله، لا أداة لاحتكاره أو مصادرته.

إن أكبر تهديد لوحدة السودان ليس في اختلاف الأيديولوجيات، بل في غياب منصة وطنية تحتضن هذا الاختلاف في إطار جامع، وتمنع تحويل الوطن إلى ساحة للاقتتال الرمزي أو الفعلي.

لقد آن الأوان لإعادة تعريف العلاقة بين الفكر والسياسة، وللتأكيد أن الوطن ليس حقلاً تجريبيًا للأفكار المستوردة، بل كيانًا حيًا، متجددًا، يبنى بتراكم التجارب السودانية نفسها، لا باستنساخ النماذج أو تصدير الأزمات.
7مارس2024

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.