خبر وتحليل عمار العركي *حكومـة الذكـاء الاصطناعــي واستحـالـة تأسيس دولــة للمليشيا*
خبر وتحليل عمار العركي
*حكومـة الذكـاء الاصطناعــي واستحـالـة تأسيس دولــة للمليشيا*
* في خطوة تعكس العبث السياسي وتكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والواقعية التي تعيشها المليشيا، أعلنت ما تُسمى بقوات الدعم السريع، من العاصمة البريطانية لندن، تشكيل “حكومة تصريف مهام” مكوّنة من شخصيات مدنية وفنية، وفق ما وصفته بأنه “اعتماد على الذكاء الاصطناعي” في تشكيلها.
* رغم أن محتوى الخطوة لم يحمل جديدًا في هيكل تكوينات المليشيا أو برامجها الدعائية، إلا أن شكل الإعلان وزمانه ومكانه ومحتواه جميعها تكشف أبعادًا خطيرة، ينبغي التوقف عندها، ليس لأنها تمثل خطرًا ذاتيًا يمكن أن يفضي لتأسيس كيان دولة، فهذا أمرٌ مستحيل موضوعيًا، بل لأنها تعبر عن تواطؤ خارجي مفضوح، وسكوت رسمي مقلق.
*أولًا: حكومــة الـذكــاء الاصطنـاعــي… نسخــة عبثيــة لـدولــة مستحيلـة*
* إن تشكيل “حكومة” من قبل المليشيا الإرهابية التي تخوض حربًا ضد الدولة وتقتل المدنيين وتغتصب النساء وتنهب المدن، هو بذاته عبث سياسي وأخلاقي. أما اختيار العاصمة البريطانية لندن منصةً للإعلان، فهو دلالة مركبة تكشف عن:
1. رغبة المليشيا في منح إعلانها غطاء دوليًا ضمنيًا، وكأنما تريد القول إنها مدعومة من دوائر غربية فاعلة.
2. تواطؤ بريطاني صارخ، إذ كيف يُسمح لمليشيا مصنفة على قوائم الإرهاب الشعبي والوطني بالإعلان من قلب عاصمة أوروبية، بينما تستقبل لندن مسؤوليها وتحتضن اجتماعاتها؟ أليس ذلك انتهاكًا سافرًا لسيادة السودان؟
3. محاولة المليشيا للالتفاف على فشلها العسكري وتضييق الخناق عليها، عبر تغليف خطابها بلغة سياسية مزيفة.
*ثــانيًــا: الإعـلان قبيـل اجتمـاع الربـاعيـة.. عبـث متزامـن وغطــاء سيـاسـي دولــي*
* لا يمكن فصل إعلان “حكومة ” عن السياق الزمني والسياسي المرتبط باجتماع “الرباعية الدولية” الذي كان من المقرر انعقاده في 25 يوليو وتم تأجيله إلى 29 من الشهر نفسه. هذه الرباعية، المكوّنة من بريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات، التي هى محل رفض شعبي ورسمي واسع في السودان، ليس فقط لانحياز بعض أطرافها الصريح للمليشيا، بل لفقدانها الشرعية الدولية في التعاطي مع الأزمة السودانية.
* وهنا تبرز مفارقة خطيرة: كيف تعلن المليشيا تشكيل حكومة من لندن، بينما بريطانيا نفسها طرف في الرباعية التي تدّعي دعم التسوية؟ أليست هذه قمة التناقض؟ وهل تُبنى التسويات السياسية بإطلاق يد مليشيا مسلحة لإعلان “حكومة” من خارج البلاد، وتحت أنظار دول يفترض أنها تسعى لحل الأزمة؟
* هذه الوقائع تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن “الرباعية” ليست سوى واجهة “استعمارية” لإعادة تدوير مشروع الخراب، عبر استنساخ نموذج “ليبيا” أو “سوريا” في السودان، وبأدوات أقل ما توصف به أنها مريبة وفاقدة للشرعية.
* هذا الواقع و وتلك الوقائع كشف القناع عن بعض الأصوات والأقلام الداخلية الرمادية ووضعتها أمام مأزق وطني لا يحمل ذلك التحايل والتضليل والتحليل “الرغائيبي” لقبول التفاوض وفق المزاج الغربي الأمريكي، والإحتهاد في تجميل صورة الرباعية ، والترويج بانها تملك خارطة طريق الخلاص والنجأة .
*ثــالثًــا: غيـاب الموقــف الرسمــي… الصمــت أخطــر مــن المـؤامــرة*
* الخطورة الحقيقية لا تكمن في إعلان المليشيا ولا في تآمر لندن، بل في حالة الشلل الدبلوماسي والسياسي التي تعيشها الحكومة السودانية الشرعية:
* لا وزير خارجية على رأس الوزارة لقيادة المواجهة الدبلوماسية.
* لا ناطق رسمي يعكس موقف الدولة السودانية بوضوح للرأي العام الداخلي والدولي.
* حتى البيان الذي صدر تعليقًا على الخطوة، جاء من الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، وليس من وزارة الخارجية، الجهة المنوط بها التصدي لمثل هذا الانتهاك السياسي الصريح.
* هذا الصمت الرسمي يمنح الخصوم فرصة التفوق في المعركة الإعلامية والسياسية، ويترك فراغًا قاتلًا في المشهد الإقليمي والدولي، تستغله المليشيا ومن خلفها لإعادة صياغة المشهد.
*خلاصــة القــول ومنتهـاه*
* لقد بات واضحًا أن مشروع المليشيا قد وصل إلى مرحلة الهذيان السياسي، بإعلان حكومة وهمية من منصة استعمارية قديمة، تريد أن تعود من بوابة الفوضى. ولكن ما هو أشد خطرًا من إعلان المليشيا، هو تعامل الحكومة السودانية الشرعية مع هذه المؤامرات، بقدرٍ مقلق من اللامبالاة والتباطؤ والقصور في الأداء.
* إن واجب الساعة هو أن تنهض الدولة السودانية بأجهزتها السيادية، وفي مقدمتها وزارة الخارجية، لمواجهة هذا العبث الدولي والرد على هذا الإعلان بما يليق بدولة ذات سيادة، لا أن تكتفي بردود عسكرية أو بيانات مقتضبة.
* *اللهــم بلّغــت، اللهــم فاشهــد.*