شئون تركية
*تركيا والسودان: علاقة الشراكة والتاريخ والمستقبل*
لواء م د. معاوية صبري رشيدي
المقدمة
ظلت العلاقات الدولية تنمو وتتطور وتتفاعل وتنظم بين الدول على مر العصور، حسب طبيعة العلاقة ورعاية الطرفين لها. وقد تنشأ العلاقات الثنائية بين الدول، وكادت أن تتحول إلى وحدة أو اندماج كامل، وعلى النقيض قد تسوء العلاقات إلى حد الحرب الطاحنة التي تقضي على الأخضر واليابس، وهذا وذاك بين تركيا والسودان، العلاقة بين الدولتين تعمقت.
بدأت العلاقة بين البلدين منذ وقت مبكر، حيث الفتح التركي للسودان عام 1821. وهناك مشتركات كثيرة بين البلدين، أيديولوجية وثقافية، ساعدت في أن تكون العلاقات أزلية، وأسهمت عوامل أخرى في تطورها وازدهارها، مثل الدين وطبيعة نظام الحكم.
وقد ارتبط البلدان بعدة اتفاقيات ثنائية في كافة المجالات، أسهمت في تمتين تلك العلاقات. كما ينسق البلدان في كافة المحافل الإقليمية والدولية، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي.
توجد اتفاقيات بين البلدين في مجالات الطاقة، التعدين، ترميم الآثار التركية في السودان (قصر السلطان علي دينار في الفاشر، ومدينة سواكن التاريخية)، والتعليم، والصحة، والكهرباء، وغيرها من القطاعات الحيوية.
العلاقات بعد 2023
شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا في كافة المجالات، وبرزت تركيا كلاعب رئيسي على الساحة السودانية في أعقاب الحرب عام 2023، على الأصعدة السياسية، الاقتصادية، الإنسانية، الصحية، والعسكرية.
تركيا ظلت تحتفظ بعلاقات متوازية مع الأطراف السياسية المختلفة في السودان، وبادرت بطرح الوساطة لإنهاء دائرة الحرب في أبريل 2023، وكانت من أوائل الدول التي قدمت الدعم الصحي والإنساني للسودان، عبر جسور دعم لاحقة نستعرضها.
الدعم الإنساني والصحي
• تم تشييد مستشفى في نيالا بتكلفة قدرها 50 مليون دولار من قبل وكالة التعاون والتنمية الدولية التركية (TIKA) عام 2014، بكامل الطواقم الطبية والأدوية.
• وزعت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHHH) حوالي 28 حاوية (365 طن من المواد الغذائية، أدوية، كراسي متحركة، خيام) في 8 ولايات سودانية في نوفمبر 2023.
• أنشأت تركيا المستشفى التركي بضاحية الكلاكلة في الخرطوم بتكلفة 4.7 مليون دولار، وتمت إعادة تأهيله في 2023 بتكلفة 1 مليون دولار.
• أرسلت تركيا في يوليو 2024 سفينة مساعدات إنسانية للسودان تحمل 2408 طن من المساعدات الإنسانية، منها 160 طن مواد غذائية وطبية.
• أرسلت هيئة IHHH حاوية مساعدات إنسانية في 2024 استفاد منها 2.3 مليون مواطن سوداني.
• وصلت سفينة مساعدات تركية في مايو 2025 بحمولة 1605 طن (110 جاويات)، تحتوي على مواد غذائية 50%، إيواء 30%، وأدوية 20%.
• قدمت تركيا دعماً لمستشفى الموانئ البحرية ببورتسودان لأقسام الولادة وحديثي الولادة في أبريل 2025، شمل الأجهزة والمعدات الطبية بتكلفة بلغت مليون ونصف دولار أمريكي.
التعاون العسكري والأمني
• شارك السودان بوفد رفيع في معرض الصناعات الدفاعية IDEF2025 بإسطنبول، ممثلًا بمنظومة الصناعات الدفاعية (جياد).
• هناك تنسيق عالٍ في المجال الأمني والعسكري، وتبادل التدريب، ورفع قدرات القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى.
الرؤية المستقبلية للعلاقات
يقف البلدان على أرضية صلبة من التفاهم والتنسيق السياسي والدبلوماسي والعسكري. ويمكن أن تتطور هذه العلاقة لتشمل شراكات استراتيجية في مجالات الصناعات الدفاعية، التحويلية، والتأمين الأمني داخل وخارج الحدود، ومكافحة التهريب وتجارة البشر.
من الممكن:
• تأسيس وحدة متخصصة لجمع وتحليل المعلومات الأمنية والاستراتيجية.
• توسيع فرص التبادل الأكاديمي، وزيادة المنح التركية على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا.
• توسيع حركة النشاط الاجتماعي والتطوعي والعمل الخيري في مجالات الوقف.
• تحقيق انفتاح للقطاعين العام والخاص التركي على الاقتصاد السوداني.
• تسهيل إجراءات الإقامة، افتتاح فروع للبنوك بالعملة المحلية.
• تنشيط حركة الملاحة الجوية والبحرية، فتح خطوط نقل جديدة، وتحديث وتوسيع الموانئ.
• تفعيل عمل اللجان الوزارية المشتركة، وتنسيق المواقف في المحافل الدولية.
الخاتمة
العلاقات الثنائية بين البلدين تقف على أرضية صلبة، ويتطلب الأمر مزيدًا من التنسيق والتقارب، خاصة في ظل التكتلات السياسية الإقليمية التي يشهدها العالم حاليًا. ومن خلال التنسيق والتشاور بين قيادات البلدين، يمكن أن ترتقي العلاقة إلى شراكة استراتيجية متكاملة في مختلف المجالات.
والله ولي التوفيق
د. معاوية صبري رشيدي
لواء متقاعد
محلل استراتيجي متخصص في الشأن التركي
القاهرة – 30 يوليو 2025
⸻
