نارٌ ونور د.ربيع عبدالعاطى عبيد *ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ فى رماد*
نارٌ ونور
د.ربيع عبدالعاطى عبيد
*ولو نارٌ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ فى رماد*
* يهدر الجهد في كثير من الأحيان وينفق المال ، لكن الناتج قد يكون معدوماً ، والمحصلة تصبح صفراً ، وكان من باب أولى ألا تزرع بذره في غير موضعها ، ولا يستهلك زمنٌ هو في الأصل في حكم الزمن الضائع ، أو يسلك طريق ونحن نعلم بأنه محاط بالمخاطر ، ولا يمكن التقدم فى مساره ولو بخطوة واحده .
* ولقد تعرفت على أشخاصٍ ومجموعات لا يستفيدون من رأي آخر ، ولا يعبأون بنصيحة تأتيهم ، وتتصف طبيعتهم بالتوقف عند محطة واحدة ، ويعبدون ما عشعش فى رءوسهم ، ويقدسونه كما كان يفعل كفار قريش ، ويؤلهون اللات والعزى ، ومنات الثالثة الأخرى .
* ومن قومنا من عبثت بعقله فكرة أنه لا يُصحح ، ولا يُراجع أداؤه ، ولا يقبل مجرد تعليق ، أو ملاحظة على ما يكتبه من تقارير ، أو يصدره من تعليمات وقرارات ، وهذه صفة لا تتناسب مع طبيعة الإنسان القاصرة وضعفه ، وسبحان الله الذى لا يخطأ ، فهو المتجلي ، وفوق كل ذى علم عليم .
* ومهما كان المنطق بيناً ، والحق ساطعاً كما تسطع الشمس فى رابعة النهار فهناك من ينكر ضوءها ، ويصرَّ على أن الليل يرخى سدوله ، والظلام يكسو جميع الأرجاء.
* والذي يتحرى الصدق ، يعلم في قرارة نفسه بأنه لا يزوّر ، أو يناور ، لكنه يقتدى بمنارات ، وشارات تعينه على كلمة الصدق ، والإبتعاد عن الزيغ والضلال ، ومثل هذا لا يحتاج إلى شيخٍ ، أو مفتٍ ليجعله صادقاً ، كما أن الصدق ليس شكلاً فارغاً ، لكنه قيمة تستقر فى الحنايا ، ونية تنبثق من دواخل نقية ، لا يعلم بها إلا صاحبها ، وهو الذى يستفتى نفسه حولها ، وإن أفتوه النّاس وأفتوه .
* والذين إرتبطوا بجهات هى التي تملي عليهم المواقف إملاءً ، وتشتري منهم الذمم ، كما تباع السلع فى الأسواق ، فهؤلاء لا يجدي إقناعهم ، ولا فائدة للمجادلة معهم ، أو التحاور ، ذلك لأنهم لا يملكون قراراً ، وإنما رهنوا أنفسهم لآخرين ، والواجب عندئذٍ أن تكون المحاولات مع الأصيل ، بحسبان أن من يقوم بدور الوكيل ، لا يستطيع تجاوز السقوفات التى حددها له الأصيل ، خاصة إذا كانت مثل هذه الوكالة مقابل ثمن مدفوع ، وإغراء يسيل له اللعاب ، بغض النظر عن نوعه ، حتى ولو كان غذاءً ، أو مالاً كله ملوث بمختلف أشكال الدنس والأرجاس بمثل الذى نطلق عليه بأنه غسيلٌ للأموال .
* ومن العبث أن يتحول الرماد إلى نار ، أو يتغير الطعم المرّ إلى حلاوة ، أو يتحول الضلال إلى هدى ، إلا من رحمه الله ، وفتح بصيرته ، ذلك لأن من يضلل لن تجد له ولياً مرشداً .
* ولقد أتيحت لى فرصة لمناقشة طيف من المثقفين فى قضايا عامة ، وأخرى خاصة ، فكانت النتيجة بأن آراء هؤلاء لم تكن ذات توجه واحد فمنهم من كان على إستعداد لإحلال رأي محل رأي ، ومراجعة فكرة ظلت باقية لغياب من يعيد صياغتها ، ويبدل أهدافها ، أما آخرون فلم يكن لديهم إمكانية لإستماع ما يخالف الذى يعتقدونه ، وهنا يتضح الفرق بين الجمود والمرونة ، والعلم والجهل ، ومن يصر على الخطأ ، وذلك الذي يروم التصويب والتصحيح .
* والأمثلة تترى في هذا المضمار ، والحالات لما ذكرت قد تتجاوز الحسبان وتفوق الذي يمكن أن يكون موضوعاً للحساب والإحصاء .
* فالذي تجذرت مفاهيم فصل الدين عن الدولة فى عقيدته ، لا يقل عن الرماد الذى يُهدر الجهد فيه ليتحول إلى نار .
* والذي ساءت تربيته لا تفارقه عبارات البذاءة ، وكلمات السوء ، إذ لا يعيش البعوض إلا في البرك الآسنة ، ويهرب دائماً عندما تكون المياه جارية.
* وهكذا فإنَّ الذي يريد إصلاحاً يتوجب عليه ألا ينوي ، أو يبذل جهداً لإزالة فساد طفح ، أو سوء تفشى ، ذلك لأن العطار لا يستطيع إصلاح ما كان الدهر سبباً لفساده.
* وما أصدق قول الشاعر : –
* ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ فى رماد
* ونسأل الله أن يكون جهدنا لتتحول النار إلى نور ، وليست النتيجة رماداً هامداً وبواراً .
—