وهج الفكرة د . أنس الماحي *الخرطوم موسكو / السودان يعيد رسم موقعه الجيوسياسي*
وهج الفكرة
د . أنس الماحي
*الخرطوم موسكو / السودان يعيد رسم موقعه الجيوسياسي*
( 1 )
في تطوّر استراتيجي يعيد رسم خريطة النفوذ في القرن الإفريقي وقع السودان وروسيا اتفاقية شراكة واسعة تتيح لموسكو إنشاء قاعدة دعم لوجستي على ساحل البحر الأحمر في بورتسودان وهي خطوة تكشف عن تحوّل في موازين القوى الإقليمية، وتُبرز في الوقت نفسه رغبة الخرطوم في التحرر من الضغوط الغربية والوصاية الخارجية ،، السؤال الكبير : لماذا روسيا الآن ..؟؟
( 2 )
السودان يعيش منذ أكثر من عامين في خضم حرب طاحنة فرضت عليه من الامارات ومحور الشر بغية سقوط الدولة السودانية واستعمارها من جديد ، استبسل من خلالها الجيش السوداني الباسل وقوات الاسناد فكان فلابد من حليف في عالم التكتلات / حليف من الطراز الاول يرفد بكامل خبراته الغسكرية وإستثماراته الاقتصادية في مجال التعدين والزراعة والطاقة ،، هذا الواقع دفع الخرطوم إلى البحث عن شريك قادر على تلبية رغباتها بعيداً عن الشروط السياسية الغربية المجحفه.
( 3 )
الحقيقة هي ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى إلى إطالة أمد الحرب لإضعاف الجيش وفرض أجندة تقسيم البلاد ،، فبعد أن وضعت إدارة بايدن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على قوائم العقوبات، شعرت الخرطوم بأن واشنطن تستخدم الملف السوداني ورقة مساومة لحماية مصالحها، لا لإنهاء الحرب
( 4 )
فيما لم تظهر كذلك إدارة ترامب العائدة إلى السلطة نية جادة لإنهاء الحرب هي الاخري ، بل تمارس ضغوطاً عبر وكلاء إقليميين خاصة الإمارات لزيادة استنزاف الجيش وإبقاء السودان في حالة فوضى الغرض منها هو تحكم الغرب بمصير السودان ، إزاء ذلك يعتقد صانع القرار في الخرطوم أن الوقت حان لإنهاء الحرب بشروط سودانية خالصة، بعيداً عن الوصاية، والبحث عن تحالفات بديلة أكثر احتراماً لسيادة البلاد، وهو ما يفسّر الانفتاح الكبير على موسكو.
( 5 )
بالنسبة لروسيا، يمثّل البحر الأحمر بوابة استراتيجية لتحقيق الحلم الروسي “المياه الدافئة” البحر الاحمر وإلى إفريقيا وطرق التجارة العالمية فبعد فقدانها قاعدة بربرة في الصومال في حقبة الاتحاد السوفياتي، وسعيها لتوسيع وجودها البحري منذ الحرب في سوريا، تجد موسكو في بورتسودان موقعاً مثالياً يكمّل قاعدتها في طرطوس السورية ,, الاتفاقية التي يعود أصلها إلى عام 2017 وتنص على إقامة قاعدة قادرة على استقبال أربع سفن حربية – بما فيها السفن النووية – لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد ، تمنح روسيا قدرة لوجستية ضخمة: إصلاح السفن، إعادة الإمداد، تخزين العتاد، ونقل الأسلحة عبر موانئ ومطارات السودان.
( 6 )
مكاسب السودان من الصفقة مكاسب كبيرة بطبيعة الحال بالنظر إليها من مجمل الزوايا ،، لا يقتصر العائد على السلاح والدعم العسكري فحسب، بل يمتد إلى مكاسب اقتصادية واستراتيجية واسعة مثل تطوير الموانئ والبنية التحتية فروسيا ستستثمر في توسعة ميناء بورتسودان وتزويده بمحطات وقود وخدمات لوجستية حديثة.
( 7 )
التدفقات الاستثمارية في التعدين والزراعة مع الامتيازات في مجالات الذهب واليورانيوم والكروم والزراعة الحيوانية ستجلب عملات صعبة وتشغّل آلاف السودانيين وتحقق في ذات الوقت توازن استراتيجي فالتحالف مع موسكو يمنح الخرطوم ورقة ضغط في مواجهة القوى الغربية ويعزّز قدرتها على التفاوض من موقع قوة.
( 8 )
يمر عبر البحر الأحمر ما يقارب 12% من تجارة العالم، ويربط بين قناة السويس والمحيط الهندي، ما يجعله ساحة تنافس دولي محتدم. دخول روسيا كلاعب دائم في هذه المنطقة يثير قلق واشنطن وحلفائها، خصوصاً مع احتمال تعاون موسكو مع قوى أخرى مثل إيران والصين في الممر ذاته.
( 9 )
ومع اقتراب الجيش السوداني من حسم المعركة في كردفان علي تخوم اخر معاقل الجنجويد ، تتعزز قناعة القيادة السودانية بأن البلاد لم تعد بحاجة لانتظار مبادرات سلام متعثرة ترعاها عواصم غربية أو إقليمية، بل إلى شراكات استراتيجية تمنحها أوراق ضغط حقيقية.
( 10 )
خريطة النفوذ تتغيّر لصالح السودان فالاتفاق السوداني الروسي، لا يُعَدّ صفقة اقتصادية أو عسكرية فحسب، بل رسالة بأن السودان يعيد رسم موقعه الجيوسياسي ، فبعد سنوات من التبعية للضغوط الغربية، يعلن اليوم أنه لاعب مستقلّ يسعى إلى إنهاء الحرب دون وصاية، وبشراكات تضمن مصلحته الوطنية أولاً / في ظل هذه التحولات تبدو بورتسودان على موعد مع دور إقليمي جديد، حيث تلتقي المصالح الروسية بالحلم السوداني في السيادة، في وقت يفقد فيه الغرب قدرته على فرض شروطه على دولة قررت أن البحر الأحمر وذهبها هما ورقة قوتها المقبلة.