محمد التجاني عمر قش يكتب : *ليس بعد النصر إلا البناء (4)*
محمد التجاني عمر قش يكتب :
*ليس بعد النصر إلا البناء (4)*
من متطلبات البناء اللازمة تجاوب الشعب مع ما تطرحه الجهات الرسمية من مشاريع تنموية، سواء كانت إنشائية، أو اجتماعية، أو تعليمية، أو غير ذلك، وهذا يقتضي إعداد كادر واعي ومدرك بحيث يستوعب التوجه العام للدولة في مرحلة ما بعد الحرب. ونحن إذ نتناول هذا الجانب، تطرأ على الذهن هذه التجربة المريرة التي يمر بها السودان إذ تعرض لتدمير ممنهج وشامل؛ لأن شريحة من أبناء الشعب سعت لهدم كل ما هو قائم من أجل بناء إمبراطورية متوهمة تقودها أسرة معتمدة على مرتزقة جلبتهم من خارج حدود الوطن بحجة أنهم امتدادات قبلية لمكون اجتماعي معين، وإن كانوا من رعايا دول أخرى، وصادف توجههم هوى في نفوس بعض نشطاء السياسة الطامعين في السلطة بدون قدرات حقيقية أو حاضنة سياسية تؤهلهم للوصول إلى كراسي الحكم فاستعان بعضهم ببعض واعتمدوا على تمويل ودعم لوجستي خارجي غير محدود من بعض دول الإقليم والعالم. والوسيلة الوحيدة لتفادي تكرار تجربة الغزو الأجنبي المدمرة هي تعزيز ما يعرف بالأمن المجتمعي.
ونشير في هذا الصدد إلى أن الهدف الأساسي للأمن المجتمعي هو أداء كل فرد لدوره داخل المجتمع من خلال القيام بما عليه من واجبات، شريطة أن تقدم له الدولة ما له من حقوق، مع السعي لمنع ومعالجة أي سلوك يخل باستقرار المجتمع واطمئنانه، وضمان إزالة أو تخفيف الخوف والجريمة في المجتمعات المحلية. وانطلاقا من هذا المفهوم ينبغي على أجهزة الدولة المعنية بالأمر اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لتحصين شبابنا ضد التأثيرات القبلية والجهوية بغرس روح الوطنية عبر مناهج الدراسة وأجهزة الإعلام والفعاليات التوعوية المدروسة التي تتوافق مع تطلعات الأجيال الحديثة حتى تروق لهم ويتفاعلوا معها إيجابياً ضمانا لتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه.
ومن أجل تحقيق الأمن المجتمعي هنالك أمور جوهرية لابد من وضعها في الاعتبار أولها سيادة القانون وبسط العدالة على كافة المستويات فلا يكفي فقط وضع الأنظمة، بل لابد من تطبيقها بلا مجاملة سعيا لتحقيق الرضاء التام بين أفراد المجتمع بحيث يشعر كل فرد أو جماعة بأنه قد نال حقة غير منقوص، مع إتاحة فرص متكافئة دون تمييز لجهة أو طائفة أو مجموعة إثنية لأي سبب من الأسباب. ثم إن من الضروري ممارسة القدر اللازم من التكافل الاجتماعي بتقاسم المعطيات والمصادر المتاحة حتى تسود القناعة والمحبة وتستقر الأوضاع ويتفرغ الناس لممارسة أنشطتهم البشرية التي تسهم في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية وتوفير فرص العمل وتبادل المصالح المشروعة.
ومن جانب آخر، يتطلب الأمن المجتمعي التعايش السلمي وقبول الآخر بغض النظر عن لونه، أو أصله، أو جهته، أو لهجته، أو لغته، أو مستواه التعليمي والمعيشي، أو مهنته، أو حرفته، وهذا سيؤدي حتماً إلى التسامح ونبذ العنف وإشاعة المحبة بين الناس؛ خاصة إذا كانت المعاملة وفقاً لمبداً المواطنة الذي يقتضي المساواة وتساوي الفرص في التعليم والتوظيف وتقديم الخدمات الأساسية للمواطن حيثما كان مقر إقامته في الريف أو الحضر.
ومن المعلوم أن كثيراً من الزعازع والحروب في السودان قد كان منشؤها دعاوى التهميش وسوء توزيع الثروة والسلطة وهيمنة جهات معينة وغياب الحكم المدني والديمقراطي وتطاول فترات الحكم الدكتاتوري أو الشمولي، وما شابه ذلك من ادعاءات جوفاء استغلها البعض لتحقيق مصالح أو مطامع شخصية أو جهوية وكانت المحصلة النهائية لكل ذلك هي ما لحق بالسودان من دمار طال كافة المؤسسات والبنية التحتية.
نحن بحاجة لإعادة النظر في بنائنا الاجتماعي عبر وسائل وخطط علمية ومدروسة حتى نجب البلاد مغبة التشرذم والاصطفاف القبلي والجهوي الذي أعاق تطور المجتمع السوداني وكان سبباً في إلحاق الضرر بالإنسان السوداني في كافة أرجاء الوطن؛ نظراً لغياب التربية الوطنية عن مناهجنا الدراسية وبرامجنا الإعلامية وخططنا السياسية والتنموية، وكفي بهذه الحرب واعظاً حتى نقيّم تجربتنا الوطنية منذ الاستقلال وحتى هذا اليوم، بغية تكوين مجتمع معافى يستطيع الإسهام والمشاركة في التنمية وإعادة البناء.