*إكملوا حربكم يرحمكم الله ، فبيان الرباعية ليس سوى بندق في بحر.. والله لو جاب خنّاقك بجيب حجّازك!!* ✒️ صهيب حامد
*إكملوا حربكم يرحمكم الله ، فبيان الرباعية ليس سوى بندق في بحر.. والله لو جاب خنّاقك بجيب حجّازك!!*
✒️ صهيب حامد
هل فعلاً صارت الخيارات أمام الدولة السودانية محدودة ، خصوصاً بعد صدور بيان (الرباعية) الذي يبدو أنّ دولة الإمارات (راعية الجنحويد) قد إستأثرت بصياغة أغلب فقراته!!؟.. وهل فعلاً أنه لا خيار أمام السودان وقواته المسلحة سوى التنازل عن السيادة الوطنية والإنصياع للوصاية الإماراتية التي أصبحت هي الواقع الأوحد الأصم الذي لا مناص سوى الإنصياع له!!؟..وهل فعلاً أصبح لا طائل من وراء إنتصارات قواتنا المسلحة التي إستطاعت أن تكسر شوكة المليشيا في كل وسط بلادنا (سنار ،النيل الأبيض ، النيل الأزرق ، الجزيرة ،البطانة ، ولاية الخرطوم ، الجزء الجنوبي من نهر النيل) وها هي قواتنا المسلحة تحرر أغلب محليات ولاية شمال كردفان (شيكان ،بارا ، الرهد ، ام روابة)!!؟. وهل للإختراق الإستراتيجي لقواتنا المسلحة بتحرير مدينة (بارا) دور في تحريك عصا الرباعية لوقف التقدم الحثيث لقواتنا المسلحة بالمطالبة بهدنة لمدة ثلاثة أشهر لإنقاذ الإنهيار الوشيك للمليشيا!!؟.بلا شك حتى وإن لم تذيّل الولايات المتحدة توقيعها مع الموقّعين في بيان الرباعية كما فعلت كل من الإمارات والسعودية ومصر وبريطانيا ، ولكنها ألقت بظلها الكبيس وهي تفرض عقوباتها التي تلت البيان مباشرة مستهدفة كل من وزير المالية د. جبريل إبراهيم إلى جانب لواء (البرّاء) وهو ما يؤكد أنّ الجلّاد والحكم (الإمارات) قد إستفاد من ذلك الظل الكبيس الملْقِى بكلكله على الآلية بله أنّ الدور الأمريكي قد صار أساسياً في الملف السوداني لصالح اللاشرعية (الإمارات وأُلعوبتها المليشيا) وهو ما يوجب على (الشرعية) ممثلة في الدولة السودانية وجيشها التفكير مليّاً في خيارات أخرى يعتقد الكثيرون أنها لا تمتلكها!!.
ولكن ما فات على أصحاب هذه الخيارات (الصفرية) أن العالم صار يشهد تطورات متسارعة وخطيرة سوف تغير قواعد الصراع والإشتباك والإنشباك في عالم اليوم ، وهو أمر قد بدأ يلوح في الأفق منذ حرب الرسوم الجمركية بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن ثمة تطورات أخيرة جعلت الولايات المتحدة تبدو أكثر توتراً خصوصاً بعد قمة منظمة (شنغهاي) للأمن الإقليمي بمدينة (تيانجين) والتي أبرزت تقارباً مثيراً وخطيراً بين كل من الصين والهند وروسيا. فلقد بدأت نبرة صوت الرئيس ترمب تعلو فجأة لللضغط على الإتحاد الأروبي لفرض رسوم جمركية تتراوح بين ٥٠ – ١٠٠٪ لأي مشتري للنفط والغاز الروسي (المقصود بالاساس كل من الصين والهند) وهو ما سوف يجعل قريباً المواجهة مع الصين والهند وروسيا ذا طابع إستقطابي حاد معيداً بقوة أجواء الحرب الباردة!!.
أين تكمن المعضلة بالنسبة للرئيس ترمب!!؟ لقد ظلت الولايات المتحدة تراقب المفاوضات بين كل من الصين وروسيا بخصوص خط إمداد النفط من حقل يامال (Yamal) والمسمى بقوة سيبيريا ٢ (مقابل قوة سيبيريا٢ والناقل للغاز من حقول ياشاندا وكوفكتا) ، حيث إتضح فيما بعد أن الغرب (أروبا وأمريكا) لا يمتلك إي فرصة للتهاون في تلك هذه الصفقة تنتهي بالنجاح!!..لماذا؟ لأن صفقة قوة سيبيريا ٢ بين الصين وروسيا سوف تطلق العنان للإقتصاد الصيني لينمو بوتائر أعلى من نموه في الحقبة السابقة نتيجة الأسعار المنخفضة جداً التي سوف تمنح بها روسيا الغاز لجارتها الجنوبية (الصين). فنقطة الأساس التفاوضية الصينية بخصوص السعر سوف تكون ٦٠ دولار لكل الف متر ٣ وهو نفس سعر الغاز للمستهلك الروسي المحلي المدعوم (subsidised local gas price) مع العلم أن روسيا تبيع نفس الوحدة أعلاه للإتحاد الأروبي ب٣٥٠ دولار!!. لقد فرضت الحرب الإسرائيلية الأمريكية على إيران خيارات محدودة على الصين بخصوص توريد النفط والغاز.. فهي تعتمد على الغاز المسال من كل من قطر وأستراليا والولايات المتحدة لتغطية الطلب الصيني الداخلي ، ولكن بعد حرب الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب قل الوارد من الولايات المتحدة ، كذلك وبعد الحرب على إيران برز سيناريو إغلاق مضيق هرمز وهو السيناريو المرجح كذلك في حال عودة الحرب (وهو خيار مرجّح كذلك في ظل وجود كل من ترمب ونتنياهو) يصبح الغاز القطري في مهب الريح ، لذا لم يكن من حل أمام الصين سوى الإستدارة للعرض الروسي لتوريد الغاز من حقل يامال (نفس الحقل الذي يمد أروبا الغربية بالغاز عبر السيل الشمالي ١ و٢). وهنا يقع المحظور الذي تخاف منه أروبا والولايات المتحدة والمتمثل في توفير موارد ضخمة للجيش الروسي لإستدامة الحرب في أوكرانيا وفشل الحصار المالي الذي يستهدف الضغط على بوتين للتوصل لإتفاق سلام مع كييف.
إذن لماذا لم تلجأ الصين لهذه الصفقة من قبل وهي مطروحة من الروس دون موافقة الصينيين!!؟. محاذير الصين السابقة كانت عدم رغبتها الإعتماد على الغاز الروسي بأكثر من ٢٠‰ (روسيا تورد للصين عبر حقل قوة سيبيريا ١ ٣٨ مليار م٣ سوف يصل في ٢٠٣٠ إلى ٤٤ مليار) حتي لا تكون عرضة لضغوط روسية مستقبلية ناجمة عن أي تعارض مصالح بين البلدين (الصراع حول جزيرة جينباو مثلاً) ، ولكن يبدو أن التطورات الجيوسياسية قد ألزمت الصين أخيرا التوقيع على مذكرة التفاهم بين بوتن وشي جينبيتغ في مدينة (تيانجين) في ٢ سبتمبر الفائت.
إن صفقة قوة سيبيريا ٢ ، والتي تستهدف نقل ٥٠ مليار م٣ من الغاز من حقل (يامال) ، سوف ترفع الوارد من الغاز إلى الصين من روسيا إلى ١٠٠ مليار م٣ (100bcm) بسعر أساس هو الأرخص في تاريخ الغاز مما سوف يمنح الإقتصاد الصيني المتفوق أصلاً ميزات غير مسبوقة على كل من الإقتصاد الأروبي والأمريكي ومِّما سوف يمنح الصين ميزة تسريع نمو إقتصادي يمكّنها من ابتلاع الاقتصاد العالمي والتفوق الإستراتيجي وهو ما يعمل الرئيس ترمب على تفاديه بأي ثمن. كذلك فإن هذه الصفقة سوف تمنح روسيا موارد ضخمة (تتجاوز ٨٠٠مليار دولار سنوياً) تُحسّن أداء الإقتصاد الروسي بله القدرة على المواصلة في حرب أوكرانيا بل تمديد الحرب لتخوم دول الإتحاد السوفيتي السابق وهوما يلوح الآن في الأفق بعد الهجوم الروسي الأخير بالمسيرات على بولندا. لذا لمنع وقوع ذلك فسوف تفرض الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأروبي عقوبات إقتصادية ممثلة في رسوم جمركية (بين ٥٠-١٠٠٪) على كل من يستورد النفط والغاز الروسي في القريب العاجل.في حال حدوث ذلك فإن كل من الصين وروسيا والهند سوف تصنعان تكتلاً متعدد الأقطاب لمواجهة العقوبات الأمريكية وهو ما سوف يحدث إستقطاباً حاداً على المستوى الدولي سوف تستفيد منه الدول المعاقبة اروبياًِ وأمريكياً مثل السودان. أما في حال إنحناء الولايات المتحدة للعاصفة وعدم تطبيق أي عقوبات ، هنا فسوف تكون الصين ومعها روسيا والهند قد كسبت الرهان وهو ما لا يمكن لرجل مثل الرئيس ترمب تركه أن يحدث.إذن وفي ظل مثل هذه التطورات فلن يكون السودان محدود الخيارات ، فقط أن الأمر يحتاج لتحليل دقيق لمآلات تطورات الأحداث على صعيد الصراع بين الشرق والغرب.
هناك من يعتقد أن الهند لن تذهب بعيداً في الصراع مع الغرب وأنّ صراعها مع هذا الأخير أقل تناقضاً مقارنة بصراع الغرب مع كل من الصين وروسيا. ولكن أيضاً من يعتقد ذلك لا يقوص عميقاً في المعضلة الهندية.. فالهند إزاء الولايات المتحدة تعاني من مشكلتين جوهريتين تمنعها من الإقتراب من أمريكا.. أولاً إجراءاتها الحمائية لقطاعي الدواء والزراعة الهنديين وهما القطاعان اللذان يشغلان أكثر من ٦٠٪من الأيدي العاملة الهندية ، فأمريكا تضغط الهند لخفض الرسوم الجمركية على الواردات الي الهند من المنتجات الصيدلانية والزراعية إلى ٢٥‰ (الرسوم الحالية ٥٠٪) لإنعاش الإقتصاد الأمريكي ، وبالمقابل كي تخفض أمريكا رسومها الجمركية لنفس المعدل على المنتجات الهندية الداخلة للولايات المتحدة. لكن إن أقدمت الهند على ذلك فسوف تحدث هزة إجتماعية وإقتصادية ضخمة داخل الهند ستستتبع بتداعيات ذات طابع سياسي سوف تؤثر على حظوظ حزب الرئيس مودي لصالح حزب المؤتمر الهندي وهو ما لا يمكن للحزب الحاكم في الهند السماح به!!. أما معضلة الهند الأخرى مع الولايات المتحدة هي عدم قدرتها على التخلي عن النفط والغاز الروسي الرخيص. إن سير الهند في الخط الأمريكي سوف يحرمها من مصادر الطاقة الرخيصة والإعتماد على النفط والغاز الأمريكي الغالي مما سوف يعيد هيكلة الإقتصاد الهندي والي الأبد لصالح الاعتماد على الاقتصاد الأمريكي ذي التركيبة الإمبريالية لبلد مثل الهند ذات تركيبة إشتراكية من الأساس كإرث لحزب المؤتمر الهندي بقيادة كل من جواهر لال نهرو وإبنته أنديرا غاندي. لذا ليس من الهين على الهند تحقيق المطالب الأمريكية البتة وهو موقف يضعها تلقائياً في خانة الحلف الشرقي كتفاً بكتف مع كل من الصين وروسيا.