استعراض كتاب : [ثقافة أعلام صحافة ] تأليف : صلاح التوم من الله *( ١ ) من يقود من ؟*
استعراض كتاب : [ثقافة أعلام صحافة ]
تأليف : صلاح التوم من الله
*( ١ ) من يقود من ؟*
هل الثقافة تقود السياسة أم السياسة هي التي تقود الثقافة ؟ حتى لا تبدو المسألة مثل جدل هل البيضة أولا ام الدجاجة ؟ وبعيداً عن انحياز كل فريق إلى فريقه وكحل وسط أقول : السياسة والثقافة كل قوة تقود الأخرى في عملية فكرية ديناميكية متداخلة ومتشابكة لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر ..وحتى تكون المصطلحات هنا واضحة نقصد بالسياسة تحديدا إدارة شؤون العباد والبلاد جميعها ، ونقصد بالثقافة المعنى المتداول والشائع العلوم جميعها والآداب والفنون والتاريخ والتراث والخبرات والتجارب ، لكن يرجع الفضل الأول للثقافة .. في البدء كانت الثقافة أما السياسة فهي كعلم وممارسة وخبرات وتجارب وتراث وتاريخ فرع من فروع الثقافة كما أن الأحزاب والانظمة الحاكمة أو المعارضة قائمة على ايدلوجيات ومعتقدات وافكار وثقافات .. والثقافة فصيل متقدم يسبق الثورات والانقلابات العسكرية ويقود حركتها لاستلام السلطة أو اسقاطها ولا تنشأ السياسة من فراغ بل من فكر هو ثقافة تضيء الطريق للسياسة سواء مباشرة بالعلوم أو بإضاءات غير مباشرة كما في الأدب والفن .. وفي مواجهة المشكلات السياسية لحلها تطرح شعارات ثقافية مثل الوحدة والسلام في مجابهة التفرقة والنزاعات والحرب فتنشا ثقافة الوحدة وثقافة السلام وهكذا لا بد من اضاءات ثقافية تمكن السياسة من الرؤية ..
يعتقد البعض أن السياسة هي فقط السلطة وهي المؤثرة .. بينما الثقافة سلطة ومؤثرة ايضا ولها نفوذ على السياسيين في الحكومة والمعارضة ولا يستطيع سياسي التحرك أو اتخاذ قرار إلا بمرجعية ثقافية يؤمن بها ، وفي الواقع أن الصراع السياسي الدولي والمحلي صراع ثقافي واشتهر من ذلك الصراع بين الشيوعية والرأسمالية أو بين الإسلام والعلمانية ..
هل الثقافة تقود السياسة ام السياسة هي التي تقود الثقافة ؟
أهم من ذلك واخطر ان الاقتصاد (المال) والإعلام يقودان الثقافة والسياسة ، لكن الثقافة والسياسة تصنعان المال والاعلام بالعلم والفكر واتخاذ القرارات وتبدو الأمور هنا أيضا متداخلة ومتشابكة لكن المؤكد أن السياسة والثقافة بدون مال واعلام لا تقوم لهما قائمة ..
ومشكلة السودان تتركز أساسا في ضعف المال وضعف الإعلام بينما تقدم وسيطرة الدول في العالم بهذين العنصرين حتى لو كانت سياساتهما وثقافاتهما مدمرة .. السياسة والثقافة والمال والاعلام الوصفة الافضل
حسب رايي .. نحن في اشد الحاجة إلى سياسات اقتصادية توفر المال اللازم من أجل حياة كريمة وهذا له مردود ثقافي احسن ولتنفيذ السياسات الثقافية التي ينشدها المجتمع ولصنع اعلام قوى ومنتشر ومؤثر ينقل كل ذلك إلى حيز الوجود ويروج له ويدافع عنه ويحميه ..
المعادلة لا تنتهي عند هذا الحد. هناك عنصر خامس
أهم من كل شيء .. بدون جيش قوى وامن قوى سيبتلعنا طوفان الاعداء لا تنفع ثقافة ولا سياسة ولا اقتصاد .
صلاح التوم من الله
صحيفة الصحافة – ١٢ مايو ٢٠١٤
*****
مقال رقم ( ٢ )
اعلام والسنة
* لا يوجد نظام ناجح اعلامه فاشل كما لا يوجد نظام فاشل اعلامه ناجح فاعلام الشيء منه ولا ينفصل عنه وفشل الاعلام من فشل النظام لان النظام هو الذي يصنع الاعلام ولا تفرضه عليه جهة اخرى ..
* اعلام الادارة الامريكية . مثلا . المتعلق بالافصاح عن الافكار والاراء والقدرات والمواقف وغير ذلك يصنعه قادة الادارة الامريكية انفسهم بصفة يومية بمبادرات منهم أو من الياتهم في التصريحات والمؤتمرات الصحفية والحوارات واللقاءات التلفزيونية والاذاعية وفي صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي وسيل من الاحاديث لا يتوقف ابطاله الاعلامي الأمريكي الأول الرئيس اوباما نفسه ووزير خارجيته جون كيري وكل اعضاء الادارة وجيش كامل من المتحدثين بالسنة واسماء المؤسسات : البيت الابيض ، البنتاغون ، وزارة الخارجية .. الخ وكل ثلاثة او اربعة اشخاص في تلك البلاد عندهم متحدث رسمي باسمهم وعدد الألسنة المتحدثة باسماء من تمثلها في الادارة الامريكية الرسمية او اي ادارة اخرى خاصة في الولايات المتحدة توازي عدد الأدمغة التي تصنع الافكار والقرارات .
* لا توجد وزارة اعلام في الولايات المتحدة، أي مسؤول في اي موقع عام او خاص هو وزارة اعلام نفسه ويتدرب على ذلك ونجاحه في موقعه يتوقف على نجاحه الاعلامي بل احيانا تغطي البراعة الاعلامية على اخفاقات ادارية او تحاول ان تجمل عيوب قرارات ومواقف ..
* يخلط البعض بين الاعلام كرسالة موجهة والاعلام كوسائل ناقلة لهذه الرسائل ويحمل الوسائل الاعلامية الناقلة مسؤولية اخفاقات الادارة الحكومية وقادتها اعلاميا وهذا مثل ان تحمل الاناء مسؤولية عدم وجود حساء فيه بينما صاحب الحساء لم يقم بصبه في الاناء . لماذا نجد في القنوات التلفزيونية والاذاعية رسائل اعلامية امريكية يومية في ما يتعلق بالاحداث والافكار والآراء والقرارات تطغى على الرسائل الاعلامية السودانية والعربية والافريقية ؟ لأن الشخصيات في ادارة الولايات المتحدة تعرف كيف تصنع وتبث رسائلها الاعلامية .. ونحن لانهتم ولا نجيد ذلك
* ان المسؤول والاداري السوداني في الحكومات وفي القطاعين العام والخاص منذ الاستقلال وحتى الان اما زاهد لا يبادر بالاعلام او جاهل لا يعرف كيف يفعل ذلك او مريب يخفى اشياء لا يرغب في كشفها وبالتالي لا يتحمس اذا جاءه صحفي لينتزع منه معلومات ناهيك ان يتبرع هو بفعل ذلك ..
* السوداني بطبعه غير ميال للحديث عن نفسه وعن اشيائه بينما الاعلام قائم على ذلك وتقول امثلة سودانية «كترة الطلة بتمسخ خلق الله» و «شکار نفسه ابلیس» و «السواي ما حداث» ويصف العامة الشخص المتحدث عن نفسه بمقولة «الزول ده بتاع دعايات»
* وزراء سودانيون لا يعرف اسماءهم حتى الصحفيين انفسهم ووزارات لم نسمع الناطقين باسمائها اذا وجدوا .. عشرات الاحداث والقضايا المحلية والعالمية تظهر يوميا ولا يتصدى للتعليق علي معظمها واعلان المواقف منها مسؤول اوصاحب اختصاص في الادارات المختلفة الرسمية او الخاصة. ولذلك اراء الحكومة او غيرها في كثير من الأحداث والمواقف والقرارات المحلية والدولية غير معلومة او غير واضحة او فيها تناقض .
صلاح التوم من الله
صحيفة الصحافة – ١٩ يونيو ٢٠١٤
*****
مقال رقم ( ٣ )
لانسمع .. لانرى .. لانتكلم !!
الساحة الاعلامية خالية من الآراء السودانية في احداث العالم
المواطن السوداني اصبح أسير وجهة النظرة الأجنبية
صلاح التوم من الله
معلوم إن الاعلام السوداني (صحافة ورقية ، قنوات تلفزيون واذاعة وغير ذلك) خارجياً غير مسموع وغير مؤثر وفاشل في ايصال حقيقة ما يحدث عندنا ووجهات نظرنا في قضايانا إلى العالم .. وأن العالم يأخذ أخبارنا من الاعلام العالمي الطاغي والمؤثر بصورة غير أمينة وفيها تشوية وتضليل وبث كل ماهو قبيح وحجب كل ماهو جميل لخدمة اغراض الجهات الدولية الواقفة خلف اجهزة الاعلام العالمي.. وتظهر الحقيقة في شهادات زوار السودان الاجانب عندما يصرح أحدهم قائلاً: ما رأيته في السودان يختلف عن ما يبثه العالم عنكم .. ومهما تكن تكلفة اعلامنا الموجه للعالم باهظة جداً تبدو اقل بكثير جداً من أن نوجة الدعوة الي شعوب العالم فردا فردا إلى السودان لرؤية الأوضاع على حقيقتها.
لكن ما أود طرحه هنا ولم يطرحه أحد من قبل ولا تنتبه أو تفكر فيه أجهزة الإعلام السودانية أن الامر لا يقتصر فقط على عدم اسماع صوتنا إلى العالم، بل لم تعد أجهزة اعلامنا تهتم بالأنباء والأحداث العالمية … وبنفس القدر الذي تركت فيه هذة الاجهزة العالم يتلقى اخبارنا بوجهة نظر وتلوين الاعلام الاجنبي تركت المواطن السوداني يتلقى انباء واحداث العالم بوجهة نظر وتلوين هذا الاعلام الاجنبي نفسه ..
اصبح المواطن السوداني يتعامل مع ما يحدث عالمياً خاصة العالم العربي والأفريقي والاسلامي واسرائيل وتدخلات الولايات المتحدة والغرب في ذلك من قنوات التلفزيون والاذاعة والنت الاجنبية مثل: البي بي سي والسي ان ان والفرانس ٢٤ والحرة وحتى الجزيرة والعربية والـ MBC وغيرها بطرح ممنهج يخدم اهداف الجهات الواقفة خلف هذه القنوات الأجنبية، وخلت قنواتنا وصحافتنا من الأنباء العالمية، واذا وجدت غير مقروءة وغير مطلع عليها وقديمة وتقدم تحصيل حاصل واعلامنا يعلم أن المواطن السوداني يتلقى الانباء العالمية من القنوات الأجنبية ولا يهتم عالمياً في صحافتنا إلا بأخبار برشلونة وريال مدريد ومانشيستر يونايتد والدوريات الأوربية والمصارعة الحرة واخبار المطربات والمطربين وما شابه ذلك، ومن الأدلة على ذلك أن اخبار كرة القدم العالمية لها صحف متخصصة في السودان تجد القبول والتوزيع ولكن هل يجرؤ ناشر على اصدار صحيفة في السودان متخصصة في الاحداث العالمية السياسية؟
مؤسف أن رأينا في ما يحدث عندنا غير مسموع للعالم ورأينا في ما يحدث في العالم غير مسموع عندنا .. نحتاج على الأقل إلى قناة تلفزيونية سودانية تخصص نشرة انباء اجنبية قوية ومشاهدة تنقل فيها الانباء بمهنية مجردة من التلوين والتوجيه الذي تحدثه فيها القنوات الاجنبية وتقدم الخلفيات وما خفي وتكشف لعبة الأمم والمؤامرات وتطرح وجهة النظر السودانية في ما يحدث في العالم، فالمواطن السوداني في امس الحاجة إلى هذه الخدمة المنعدمة وسيدرك الفرق بينها وبين التلفيق العالمي.
أما الصحافة الورقية متى قرأتم آخر مرة لكاتب عمود سياسي سوداني يتناول ما يحدث في سوريا أو العراق أو ليبيا أو مينامار أو ايران أو غير ذلك من احداث العالم فى الشرق والغرب؟ لم اذكر اسرائيل وفلسطين لأن هذا الموضوع نسيناه اعلامياً من زمان جملة وتفصيلاً .. لا احد كاتب عمود يكتب في ذلك فالجميع منكفئ على نفسه في قضايا السودان حتى الاستاذ ابوبكر وزيري صاحب عمود «رجع الصدى» يختار من العالمي ماهو غير سياسي .. وبالنسبة للصحف احياناً تتم تغطية العجز بنشر أعمدة في الشأن الدولي بأقلام كتاب عرب منقولة من صحف عربية ..
على كل كاتب عمود صحفي سوداني العلم بأنه ليس سودانياً مقطوع من شجرة فهو سوداني من اصل عربي افريقي اسلامي انساني ويوجب عليه ذلك أن يتناول القضايا الدولية من منطلق هذا الانتماء على الاقل مرة كل اسبوع حتى نستنير بآراء سودانية في ما يحدث حولنا في العالم.
صلاح التوم من الله
صحيفة قوون – ١١ / ٦ / ٢٠١٣