د.السر احمد سليمان يكتب : *ما فائدة الربط على القلوب؟*
د.السر احمد سليمان يكتب :
*ما فائدة الربط على القلوب؟*
عندما يتعرض شخص ما أو مجموعة من الأشخاص لفاجعة من الفواجع نتيجة للكوارث الطبيعية مثل الزلال وغيرها من الأحداث الفجائية الصادمة، يستخدم المصابون والمواسون جملة “اللهم اربط على قلوبنا” و”اللهم اربط على قلوبهم”. فما مفهوم هذه الجملة وما فوائد الربط على القلوب في المواقف الصادمة؟
كلمة الربط في اللغة تدُلُّ عَلَى شَدٍّ وَثَبَاتٍ (ابن فارس). وقد وردت عبارة (الربط على القلوب) في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم. والمواقف الثلاثة التي وردت فيها عبارة (الربط على القلوب) هي مواقف فيها تحديات وضغوط عالية تؤدي للاضطراب والانهيار النفسي، وفقدان الفاعلية، لولا حدوث الربط على القلوب المستند على الإيمان بالله، والذي يؤدي لاتخاذ القرارات الصعبة ومواجهة التحديات الكبيرة بصلابة نفسية عالية جدا؛ والمواقف الثلاثة هي:
أولا: موقف مجابهة الضعفاء عدة وعتادا للأقوياء عدة وعتادا في الحرب، كما تبين ذلك في غزوة بدر.
ثانيا: موقف قيام الفتية أصحاب الكهف بمواجهة قومهم واستنكارهم لما يعبدونه من دون الله، واعتزالهم لقومهم بخطوة جريئة تتطلب قوة نفسية عالية.
وثالثا: موقف أم موسى التي قذفت طفلها الرضيع في الماء، خوفا من أن يقتله فرعون، وتحملت ضغط دافعية الأمومة والتعلق بالطفل، والقلق والخوف والاضطراب بالمصير المجهول الذي يمكن أن يحدث له.
وفي المواقف الثلاثة تظهر المواقف الضاغطة نفسيا بدرجة لا يمكن إطاقتها، ويظهر كذلك عدم تناسب الإمكانات النفسية والمادية لمواجهة تلك المواقف، ولكن يأتي الدعم الإلهي المتمثل في الربط على القلوب، وهو عمليه روحية لا ندري كنهها، ولكنا نلمس أثرها في تقوية الشخصية، والصلابة النفسية، والفعالية والكفاءة العالية، واتخاذ القرارات السليمة، والثبات والتحمل والأداء المرتفع والضبط الدقيق للدوافع والانفعالات المتعلقة بتلك الحالات الموقفية الضاغطة وإدارتها بصورة فعالة، والوقاية من اضطرابات الصدمة وما بعد الصدمة، والشعور بالإيجابية والفاعلية والصحة النفسية العالية.
وهذا يدل على أنّ الربط على القلوب كمفهوم نفسي يدل على الثبات والسكينة والطمأنينة، المؤدية لانتفاء القلق والخوف والحزن، وكل الانفعالات السالبة؛ وحدوث الاستقرار واليقين على الرغم من مواجهة المواقف الضاغطة التي لا توجد أدوات ووسائل وأساليب كافية لمواجهتها، والربط يتعلق بالجانب الروحي والبعد القلبي الداخلي والسلوك الظاهري المتمثل في الاستدامة على الثبات وذلك من أجل مواجهة المواقف الضاغطة مواجهة إيجابية وبكفاءة عالية؛ ويتضح ذلك من خلال عرض تلك المواقف في الآيات القرآنية:
– أولاً: موقف المؤمنين في غزوة بدر حيث كانوا قليلين عددا وعدة، ولم يخرجوا للحرب أصلا، وعندما وجدوا أنفسهم في مواجهة ذلك الموقف الصعب، ابتهلوا لربهم فربط على قلوبهم، وأنزل عليهم الماء من السماء فطهرهم به وأذهب عنهم الوساوس والقلق ورجز الشيطان وثبت أقدامهم فواجهوا الموقف بصلابة نفسية عالية حتى انتصروا على العدو على الرغم من ضعف النسبة والتناسب بينهم وبين العدو، قال الله عزّ وجلّ: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِين (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَام (10) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان (12)} [الأنفال: 9 -12].
– ثانيا: موقف الفتية أصحاب الكهف الذين اختلفوا مع قومهم في الاعتقاد، وقاموا بمواجهتهم، وخافوا من اعتداء قومهم عليهم وقتلهم، فقرروا اعتزالهم، وقاموا بالهجرة ومفارقة الوطن، قال الله عزّ وجلّ عنهم: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلاَء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)} [الكهف: 13 – 16].
– ثالثا: موقف أم موسى التي ألقت طلفها حديث الولادة في اليم، فتحملت قوة الصراع النفسي السلبي – السلبي، والذي يتمثل في الخيارات المؤلمة المتعارضة، ما بين إلقائه في اليم ومقاومة تعلق الأم بطلفها نتيجة لدافعية الأمومة، وما بين الخوف على حياته إن ظلّ معها نظرا لإمكانية قتله من قبل آل فرعون، قال الله عزّ وجلّ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} [القصص:10].
ونسألك اللهم أن تربط على قلوب المكلومين ممن تعرضوا للكوارث والأحداث الصادمة يا رب العالمين.
د. السر أحمد سليمان
أستاذ علم النفس
جامعة حائل
الممكلة العربية السعودية