د.السر احمد سليمان يكتب : *مظاهر ظلم النفس وكيفية الوقاية منه*
د.السر احمد سليمان يكتب :
*مظاهر ظلم النفس وكيفية الوقاية منه*
وردت عبارة (ظلم النفس) في القرآن الكريم في مواضع عدة. والظلم: وَضْعُ الشَّيْءِ غَيْرَ مَوْضِعِهِ تَعَدِّيًا (ابن فارس). وفيما يلي ما نتج عن استقراء عبارة ظلم النفس في الآيات القرآنية للتعرف على مظاهر ظلم النفس في السلوك والحالات النفسية للإنسان، وذلك من أجل تجنبها والوقاية منها:
(1) الشرك هو ظلم للنفس، وتجنب الشرك فيه وقاية من ظلم النفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}[هود: 101].
(2) الابتعاد عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ومجافاته، والتقصير في طاعته، فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}[النساء: 64].
(3) سوء الظن بالآخرين وضعف المعرفة بقدراتهم وإمكاناتهم، فيه ظلم للنفس، فقد ورد في قصة ملكة سبأ ما يدل على ذلك: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل: 44].
(4) الاختلال في التخطيط المسبق والممارسة العملية من خلال وضع الأشياء في غير مواضعها فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[ آل عمران: 117]. وأورد الفخر الرازي في تفسيره: ﴿ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ “هو أنَّهم زَرَعُوا في غَيْرِ مَوْضِعِ الزَّرْعِ أوْ في غَيْرِ وقْتِهِ، لِأنَّ الظُّلْمَ وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَتَأكَّدُ وجْهُ التَّشْبِيهِ، فَإنْ مَن زَرَعَ لا في مَوْضِعِهِ ولا في وقْتِهِ يَضِيعُ، ثُمَّ إذا أصابَتْهُ الرِّيحُ البارِدَةُ كانَ أوْلى بِأنْ يَصِيرَ ضائِعًا، فَكَذا هاهُنا الكُفّارُ لَمّا أتَوْا بِالإنْفاقِ لا في مَوْضِعِهِ ولا في وقْتِهِ ثُمَّ أصابَهُ شُؤْمُ كُفْرِهِمُ امْتَنَعَ أنْ لا يَصِيرَ ضائِعًا، واللَّهُ أعْلَمُ”.
(5) ضعف الكفاءة الذاتية، وفقدان الفاعلية، وفقدان العزيمة لمواجهة التحديات، والعجز عن حل المشكلات، والتأخر عن طلب المعالي، هو ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}[فاطر: 32]. وقال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: 97].
(6) اقتراف الذنوب والعصيان والانحرافات السلوكية هو ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت: 40]. وقال الله عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: 135].
(7) عدم الالتزام بالعهود والالتزامات وعدم مراعات الحقوق الزوجية والعدوان في العلاقات الزوجية، هو ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231]. وقال الله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: 1].
(8) الافتقار للعلمية واستخدام التفكير غير الموضوعي وإنكار الأدلة والشواهد الواضحة وتكذيبها، فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}[الأعراف: 177].
(9) التقويم الذاتي وتصحيح الأخطاء فيه وقاية من ظلم النفس، قال الله عزّ وجلّ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[القصص: 16].
(10) الافتقار إلى التفكر والسير في الأرض والنظر والاعتبار؛ فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[الروم: 9].
(11) سوء إدارة الموارد والبطر بالنعمة وعدم التعامل معها بما تتطلبه من شكر وصبر فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}[الكهف: 35]. وقال الله عزّ وجلّ: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور}[سبأ:19].
(12) الاختلال في إدارة الوقت وضعف استغلال الوقت الثمين للعمل الفاضل، فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: 36].
(13) اتخاذ القرارات غير الموضوعية والاختيارات غير المنطقية، فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[البقرة: 57].
(14) فقدان الجودة في الأداء وعدم توفر الإتقان والإحسان، فيه ظلم للنفس؛ قال الله عزّ وجلّ: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}[الصافات: 113].
والله أعلم
د السر أحمد سليمان
أستاذ علم النفس
جامعة حائل
السعودية