ظل العداء التاريخي بين اليسار و الإسلاميين في السودان عداء مستحكَم متجاوز قواعد الصراع السياسي في جميع مظاهره.. ذلك العداء بصورته الشاخصة.. شكله التاريخ المشترك لكلا الطرفين منذ الاستقلال.. حتي ان احد اليساري الطاهر يعقوب لخصه بعد ثورة ديسمبر في كلمات قاسية اصبحت قاعدة للخصومة المفجعة او الفاجرة بين الطرفين واصفا اياه بانه صراع وجود لامجاملة فيه الرجل قال الصراع بيننا وبين الإسلاميين هو صراع كوني منذ بدأ الخليقة يبدو أنه صراع بين الحق والباطل كما فهمته.. لذلك قال : (اما ان نسحقهم او نستعد لصعود مقاصلهم).
ظلت للأسف هذه المعاني تحكم العلاقة السياسة بين الطرفين وتصاعدت وتيرتها بعد الاطاحة بنظام حكم عمر البشير لم يعتريها اي تغيير بالرغم من الوعي السياسي الذي تمتعت به طليعة الاسلاميين واليساريين في مرحلة من المراحل.. علي الاقل كانت توحدهم النظرة المشتركة للقضايا السياسية الداخلية بمنظور وطني قبل الظهور المؤخر لبعض القيادات السياسية المحوسبة على اليسار داخل أحزاب أربعة طويلة التي عرفت بهذا الاسم عقب تشكيل حكومة حمدوك الأولى في العام 2019م.. والتي ظهر خضوعها لعدد من الدول الاقليمية والعالمية التي تسعى لتشكيل الواقع السياسي السوداني بما يتوافق مع مصالحها الذاتية.. لذلك رات استخدام هذه الأحزاب للوصول لهذا الأهداف.. وقد كادت ان تنجح في ذلك بامتياز.
رغم ذلك تظل هناك إشارة مهمة.. كلا الطرفان الإسلاميين او اليساريين لم يثبت خلال تاريخهم السياسي انهم كانوا عملاء او خانوا قضية الوطن عبر التواطؤ الإقليمي او الدولي.. هذا في تقديري كان كافيا لإيجاد قاعدة مشتركة لتأسيس الحوار السياسي بين الطرفين اللذان يتمتعا بنفوذ جيد وسط النخبة السياسية التي ظلت تمثل الكتلة المؤثرة في اتجاهات السياسية السودانية وان كان الإسلاميين تفوقوا من خلال استحواذهم على 54 نائب برلماني مقابل 3 نواب حاذهم الحزب الشيوعي.. في آخر انتخابات تشريعية في العام 1988م كذلك الإسلاميين رجحت كفتهم من خلال الانفتاح على عدد من الأحزاب السياسية السودانية حيث شكلوا معهم عدد من التحالفات الثمرة خلال تاريخهم السياسي.
الذي دعاني لكتابة هذه السطور هو حديث بالصوت انتشر في وسائط التواصل الاجتماعي منسوب للأستاذة اسماء محمود محمد طه القيادية بـ (تقدم) قالت فيه (ان الأولوية في الوقت الحاضر للقضاء على الحركة الإسلامية وللتحلي بالشجاعة في دعم انتصارات الدعم السريع في الحرب وفي الدبلوماسية، أما محاسبة الدعم السريع على تجاوزاته فسيأتي وقتها لاحقا.. وما لم يكون هناك قضاء تام ومبرم على الحركة الإسلامية بتشرزماتها كلها وبصنوفها الموجودة دي، أنا ما بفتكر البلد بتكون عندها فرصة.. إذا الناس ما توحدوا على المسألة وكانوا جريئين لدرجة إنو ممكن يكون في دعم في الوقت الحاضر خاصةً إنو حميدتي ظهر في الصورة وواضح إنو عمل كبير جداً في مسألة الكسب و الانتصار في مجال الحرب في السودان، وهو في نفس الوقت بكتسب في كمية كبيرة جداً وواقع كبير جداً في إنو دبلوماسياً يكون ناجح، طبعاً الناس ما بغضون النظر عن التجاوزات الحاصلة و الأخطاء الكبيرة اللي هم ارتكبوها ولا بد من يجو يوم الناس يُحاسبوا فيها لأنو القضايا دي ما بتسقط بالتقادم، فالحاجة دي حتكون قائمة دائماً في ذهننا، لكن لا بد من التركيز بصورة شجاعة جداً على مسألة الحرب على الإخوان المسلمين ).
كذلك هناك حديث لياسر عرمان لقناة العربية و الحدث.. يقول ان من ايجابيات الحرب انها قضت على القوة الصلبة للإسلاميين.. غير ذلك هناك مواقف واضحة لقحت التي تطورت الي تقدم ولم يتطور وعيها كثيرا بالمهددات الوجودية للوطن وظلت عند موقفها القائل بعزل الإسلاميين من اي عملية سياسية في البلاد.. هذا خلاف الهتاف الإقصائية الذي كان شاخصا في مؤتمرهم الاخير باديس أبابا (كلو كوز ندوس دوس) الذي ظل يمثل قمة العداء للإسلاميين.. هذا غير مواقف وتصريحات كثيرة لعدد من قيادات اليسار السوداني لا تبشر باي قدر من الحكمة او العقلانية تجاه تطوير المواقف السياسية المفضية الي وحدة البلاد وتجاوز الخلافات .
بالمقابل تحدث قبل يومين القيادي بالحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني عمار باشري لقناة طيبة الفضائية قناة داخلية تبث من خارج السودان.. في ان المرحلة القادمة بعد الحرب لإمكان فيها لليسار خصوصا (القحاته) وان هناك تعريف جديد للوطن والوطنية إجازته المقاومة الشعبية ومهرته بدماء الشهداء.. هذا التعريف لا ينطبق على هؤلاء الذين وصفهم( بالقواديين السياسيين) إذ ان الوطن ان تحبه وتنتصر له وتحمي انسانه وتحفظ كرامته .. والوطنية ان تدافع عنه بكل الوسائل أدناه بالرأي والفكرة واعلاها بحمل البندقية والإنحياز للجيش.. وهذا كما قال افتقدته (قحت) او (تقدم) بانحيازها ودعمها لمليشيا الدعم السريع كما سماها.. كذلك تحدث الاسبوع الماضي القيادي بالتيار الإسلامي العريض هشام الشواني لقناة الجزيرة مباشر قال ان تقدم التي يقودها قبائل اليسار لا تدرك ان هناك معادلات جديدة بعد 15 أبريل لن يكونوا جزء منها باي حال .. بعد أن ثبت بالدليل خيانتهم للشعب والوطن بالارتماء في أحضان العمالة و الارتزاق وتنفيذهم لاجندة إقليمية دولية عمدت على تفكيك البلاد لصالح المشروع الاستعماري الجديد.
هذه المواقف المتباعدة تجعل اهم مكونين في العملية السياسية في السودان بعيدين كل البعد عن أي توافق محتمل حتى لو على قضية الديمقراطية نفسها.. المؤسف في هذا العداء السافر بين الطرفين لايساعد باي حال في انتقال البلاد من مرحلة الحرب الي مرحلة السلام.. لان المعركة في الواقع بين تيارين سياسيين في الساحة السياسية السودانية ومابينهما من أحزاب داعمين لهذا او ذاك.
عليه تظل مواقف وأحاديث اسماء محمود طه ومن معها في محور تقدم يعبر عن العداء السافر للإسلاميين ذلك العداء التاريخي الذي لايستطيعوا تجاوزه حتى لو كان ذلك لأجل وحدة البلاد أو خروجها من الحرب للسلام.. وهذا يجعل( تقدم) عاجزة عن توفير اي فرص لتحقيق السلام.
كذلك تظل بذات القدر مواقف الإسلاميين الداعمة للمؤسسة العسكرية والتي تدعوا لأقصاء جميع واجهات اليسار السوداني من المشهد السياسي بعد أن ثبت انخيازهم لقوات الدعم السريع في هذه الحرب من خلال الوثيقة التي وقعت معها في أديس ابابا وعبرت عن كامل تضامنهم معها.. حتي علي مستوي الانتهاكات التي قامت بها هذه القوات تجاه المواطن السوداني والتي اقرتها الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الاقليمية والدولية.
عليه ادعو القوات المسلحة السودانية.. الذهاب إلى أي حلول تراها ممكنة و مناسبة في إنهاء الحرب دون الالتفات للأحزاب السياسية ومن ثم الذهاب في تشكيل سلطة قابضة حاكمة من الكفاءات الوطنية تخرج البلاد من هذه الازمة التي توشك ان تعصف بالدولة السودانية.؛
…..
#منصة_اشواق_السودان
