منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

السر السيد يكتب :  بروف صلاح الدين الفاضل : تحية واحتراما 

0

السر السيد يكتب :

 

بروف صلاح الدين الفاضل : تحية واحتراما

تمهيد:

لا أملك من الكلمات ما أستطيع التعبير به عن موقع المخرج الاذاعي الكبير الدكتور صلاح الدين الفاضل في مسيرة فنون الراديو في السودان،فما أكتبه لا يعدو ان يكون احتفاء ادخل به الي العام 2025.

هذا العام الذي نأمل ان تسود فيه الحكمة ويتوقف نزيف الدم بين ابناء شعبنا..هذا الدم الذي بات (يتسلق الجدران) بسبب النخب الفاسدة التي لا تري الا ما تري وتصر علي أن يسود ما تري حتي ولو علواً فوق جماجم المستضعفين والمستضعفات.

أكتب عن صلاح الدين الفاضل الاعلامي والاستاذ الجامعي والاداري وقبل كل عن هذا المخرج الاذاعي الخلّاق.

في الكتابة عن رواد التنوير الذين أحدثوا فرقا في الحياة السودانية غالبا ما نغفل عن أدوار الفاعلين في مجالات الثقافة والاعلام والفنون،خاصة اولئك المنتسبين الي المؤسسات الثقافية والاعلامية الحكومية وهو إغفال من وجهة نظري يقفز علي معطيين أساسيين:

الاول الطبيعة الديالكتيكية لهذه المؤسسات نفسها بما تشتمل عليه من تنوع في الافكار والمواهب والمواقف بين العاملين فيها وفي ما تقدمه من محتوي وفيما يناط بها من تلبية احتياحات للمواطنين لا مفر منها،كالبرامج التعليمية مثلا، والثاني ما يرشح مما اسميه فعل المقاومة والمتمثل في النقد الذي تتعرض له هذه المؤسسات فيما تقدمه من محتوي وفيما تتبناه من سياسات.

تكمن معضلة هذا (الإغفال) في انه يقوم علي نظرة تبسيطية تضع هذا الكل المركب في جيب السياسة بمفهومها المباشر والسياسة هنا هي السلطة وما ينتج منها، متغافلة حتي عن المستوي الثاني للسياسة أي المقاومة مع ان التاريخ يقول: حيث ما وُجدت السلطة وُجدت المقاومة.

*عن صلاح الدين الفاضل*:

بالنسبة لي عندما أنظر الي موقع صلاح الدين الفاضل المخرج والاداري والي ما قدمه في دروب التنوير المتعرجة عبر عطائه في هذه المسيرة المركبة..مسيرة االاذاعة السودانية بأذرعها المختلفة من إذاعات ولائية وموجهة ومتخصصة و في مختلف الاشكال البرامجية،أجدني سأقف علي سفر في العطاء المختلف جدير بالتأمل،فصلاح الدين الذي تولي مناصب قيادية عديدة منها مديرا للدراما ومديرا للاذاعات الولائية والموجهة والمتخصصة ثم اخيرا مديرا للاذاعةالسودانية، كان اكثر ما يميزه الشغف بما يقوم به..ذلك الشغف الذي يقف على أرضية من استصحاب الخبرات المتراكمة و التخطيط الاستراتيجي والتشاركية في صنع القرار،فالادارة عنده كما لمست تعني تفعيل ذلك المزيج من التجارب والافكار والعواطف والمضي به قُدما نحو الهدف وهنا استطيع القول أن مرد ذلك الشغف ربما يعود الي انه شريك وفاعل في ما تنتجه المؤسسة التي يديرها من برامج،(سلع)،فهو معد ومخرج كما نعلم وبهذه الصفة يكون قد تذوق طعم التعلم والتعليم والمنافسة والنجاح والفشل والانتماء ومعني تواصل الاجيال،وكل هذه حالات جديرة بصناعة القلق المنتِج ومن ثم الادارة المبدعة.

للتدليل علي هذا الشغف الاستراتيجي،أقدم هذه الاشارات:

الاشارة الأولي وهي جعله الاذاعة في ان تكون حاضنة لخريجي وخريجات المعهد العالي للموسيقي والمسرح (كلية الموسيقي والدراما)،لا لكي يقوموا بأخراج الدراما مجال تخصصهم وانما ايضا البرامج الاخري والقيمة المضافة هنا تكمن في تشبيك الاعلام مع الفن وهو تشبيك لا تخفي اضافاته للرسالة الاعلامية، ليمتد هذا التشبيك بتحريضه لآخرين علي الدراسة في المعهد/ الكلية وتفريغهم لهذه المهمة بل وأكثر من هذا تحريضه للكثيرين علي الانخراط في الدراسات العليا،لتكون المحصلة اضافة للاضافة الفنية ذلك الحضور الاداري في قيادة الاذاعة لهؤلاء الخريجين من امثال ابراهيم البزعي وصلاح الدين التوم ود.طارق البحر وخطاب حسن احمد وغيرهم.

الاشارة الثانية وهي مبادرته الاستراتيجية فيما عرف بالارشفة الرقمية وهي العمل علي تحويل ارشيف الاذاعة الضخم الي ارشيف رقمي والذي بدأ بالفعل ولكن تعثرت خطواته لاسباب ليس هنا مجال ذكرها..هذه الارشفة التي اثبتت الايام خاصة بعد حرب الخامس عشر من ابريل 2023 انها كانت هي العمل الاستراتيجي الملح.

الاشارة الثالثة وهي تأسيسه لاذاعة البرنامج الثاني في النصف الاول من التسعينيات والتي شارك في التخطيط لها كوكبة من كبار المثقفين والاعلاميين،نذكر منهم الاستاذ علي المك والاستاذ الخاتم عبدالله وكان قد أوكل مهمة تأسيسها واداراتها للمخرج خطاب حسن احمد..هذه الاذاعة التي احدثت فرقا كبيرا في علاقة الاعلام بالثقافة والفكر.

الاشارة الرابعة وهي عمله ومنذ وقت مبكر في استقطاب المبدعين والمثقفين ليقدموا ابداعاتهم من خلال الاذاعة السودانية كالشاعر محمد عبدالحي فى برنامج (أقنعة القبيلة) والتشكيلي احمدالطيب زين العابدين في برنامج (التشكيل في الثقافة السودانية)،وغيرهما.

أذكر هنا ولجعل هذا ممكنا كانت له تدخلاته الحميدة في اللائحة المالية للبرامج والتي كانت شحيحة بما لا يقارن.

أشير هنا وبناء علي الشغف والتشاركية التي تميز بهما والرؤية الاستراتيجية التي توفّر عليها، الي تلك الروافع المتمثلة في الارث الاذاعي الكبير وفي ادوار استاذنا معتصم فضل واستاذنا الخاتم عبدالله فبذاك الأرث وبأدوارهما صار كل ما خطط له ممكنا.

أما في مجال الاخراج

والذي هو سفر كبير لا يمكن الاحاطة به في هذه العجالة اذ انه لا يمكن النظر اليه الا في سياق التعاضد وفي نفس الوقت التنافس الحميد بينه وبين المخرجَين الكبيرين معتصم فضل ومحمود يسن إذ شكّل ثلاثتهم بشكل عام المسمع الدرامي طيلة الفترة الممتدة من السبعينيات الي الثمانينيات وهو مسمع في مجملة شكّل قفزة نوعية علي صعيدي الشكل والمحتوي في الدراما الاذاعية السودانية.فصلاح الدين الفاضل الذي كان اشتغاله متنوعا فقد اخرج المسلسل والتمثيلية والبرنامج الدرامي وتميز أكثر في رهانه علي الممثل/الممثلة وعلي الموسيقي التصويرية والمؤثرات الصوتية المصنوعة خصيصا للعمل كما تميز بتركيزه علي ممثلين بعينهم “مكي سنادة وفوزية يوسف وتحية زروق وابراهيم حجازي” كما انه كان يراهن باستمرار علي الموضوعات الجديدة مع حضور للتنوع في اللغة والمحتوي، فقد أخرج علي سبيل المثال، لحمدنا الله عبدالقادر ولهاشم صديق ولمحمد خوجلي مصطفي ولتاج السر عطية ولصلاح حسن احمد ولعثمان جمال الدين ولكل من هؤلاء الكُتّاب اسلوبه الخاص في الكتابة وفي اجتراح الموضوعات والقضايا. في كل هذه الاعمال كان مُخرجُنا يشتغل علي جعل كل ما يسمع يُرى والي اثارة الأسئلة المجتمعية الصعبة كما في البرنامج الدرامي (رسائل من الحياة) لتاج السر عطية وكما في مسلسل الحياة مهنتي لصلاح حسن احمد وكما في حكاية نادية لحمدنا الله عبدالقادر و الحراز والمطر لهاشم صديق.يبتدع الدكتور طريقة في الاخراج تجعل المستمع والمستمعة وكأنهما أمام شخصيات من لحم ودم خاصة الشخصيات المحورية حتي انه في مسلسلاته استطاع ان يخلق شخصيات تمشي بين الناس كتلك الشخصيات التي خلقها الطيب صالح في رواياته..أعني هنا انه يعمل علي تحويل العمل الدرامي الي صيغة سردية مسموعة كما في مسلسل (حكاية نادية)-قليل الشخصيات والقائم علي حوار سمته الاساسية السجال-.

كلنا الان بات يعرف “خليل ابراهيم جار النبي” في تمثيلية (التقرير الاخير) لصلاح حسن احمد ،و”عصام محمود” في (مسلسل الحراز والمطر) و”موسي ود السرور” في مسلسل (الحياة مهنتي) و”سكينة” في مسلسل (خطوبة سهير) لحمدنا الله عبدالقادر.

هذه العوالم الدرامية التي يمنحها المخرج صلاح الدين الفاضل أصواتا تصرخ بها، وتهمس بها، وتتأوه بها، وتضحك بها، وتبكي بها، وتغني، بها، وتحكي بها،تصب كلها في بحر الاستنارة والوعي ما استطاعت.

استاذي ومعلمي صلاح الدين الفاضل تحية واحتراما.

*/نشرالمقال في مجلة أفق جديد الالكترونية بتاريخ 7يناير 2025.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.