كتب د. المعز إبراهيم الهادي أستاذ القانون الجنائي الدولي المحاضر سابقاً بجامعة الخرطوم *فوزي بشرى* *وشروط البناء الجديد* *الخروج من باب الدخول*
كتب د. المعز إبراهيم الهادي
أستاذ القانون الجنائي الدولي
المحاضر سابقاً بجامعة الخرطوم
*فوزي بشرى*
*وشروط البناء الجديد*
*الخروج من باب الدخول*
قرأت قبل يومين في مدونات الجزيرة مقالاً رصيناً كرصانة كاتبه الإعلامي السوداني المرموق فوزي بشرى .. عنوانه *السودان والخروج من غيابة الجب.. كلُ شيءٍ كامنٌ فيه ضده!*
والمقال وبكل الوقار الذي يميّز صاحبه وعمق أفكاره وجمال مفرداته وسلاسة عباراته والجهد الذي بذله فيه ، ممتع في قراءته ويدعو للتفكير والتأمل والبحث والنظر ..
لكن الذي لا يعجبني فيه ، ما جاء في مقدمة “شروط البناء الجديد” وهو الآتي ..
“تعبئة الشعب السوداني في مدنه وقراه للخروج في مظاهرات تدعو الجنرالين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع بالوقف الفوري للحرب، فإن لم يمتثلا للطلب الشعبي يطلب الشعب السوداني تدخلا دوليا من الأمم المتحدة يوفر الأمن والأمان للشعب ويصون كرامته ويفرض سيطرته ريثما ينظم الشعب نفسه ويقيم حكومته هو، وبإرادته هو دون تدخل من أي جهة أيا كانت.”
أرجو أن يسمح لي الأستاذ فوزي بشرى بهذه الملاحظات على ما أورده ..
واحد .. الحرب الدائرة حالياً ليست حرب بين جنرالين (فحميدتي ليس جنرالاً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة ، بل هو أمير حرب Warlord بالمعنى المهني للكلمة .. بمعنى أنه يمتهن الحرب من أجل الكسب غير المشروع .. لذلك فمن المتوقع أن توجه إليه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاى بعد فراغ محققيها من جمع البيانات والأدلة تهماً بإرتكاب جرائم حرب في الخرطوم والجزيرة وممارسة التطهير العرقي في دارفور والإبادة الجماعية والإتجار بالبشر في اليمن ودول الساحل الأفريقي والصحراء وارتكاب جرائم ضد الإنسانية) ..
لذلك فالوصف الدقيق للحرب هو .. أنها بين مليشيا عصابات الجنجويد الخارجة على القانون ، من جهة ، والمتحالفين معها من الكِسِّيبة والمرتزقة والأجانب وعملاء الحرية والتغيير وبعض الخونة من أبناء القبائل وبين الشعب السوداني كله ، من جهة أخرى ، جيشه وقواته النظامية ومكوناته العرقية والجهوية وطلائعه المدنية وقواه الأهلية والدينية ورجاله ونساؤه وأطفاله شِيبه وشبابه بمختلف أعمالهم المهنية وتوجهاتهم السياسية والفكرية وتخصصاتهم العلمية والعملية واهتماماتهم الأدبية والفنية والثقافية والرياضية ..
إثنان .. أي تدخل للأمم المتحدة لفرض السلام لن يوفر الأمن والأمان في البلاد ولن يمكّن الشعب من صون كرامته او فرض سيطرته او تنظيم نفسه او إقامة حكومته بإرادته الحرة ..
الأمم المتحدة منظمة معطوبة في صميمها ومثقوبة من رأسها إلى نعليها ، وكلها نعلين ، وثقبها كبير جداً تَنْفُذ منه سُموم الصهيونية العالمية والماسونية وغيرها من المنظمات السرية المتنفذة في السياسية الدولية .. لذلك فإن التعامل معها يجب أن يكون بحذر مُفرط وعلى درجة عالية من التوجس والشك ..
وهنا إشارة إلى أن تجارب السودان السابقة في التعامل مع هذه المنظمة لم تنتهِ بخير ..
– بعثة الأمم المتحدة في السودان UNMIS عملت في الفترة من 2005 إلى 2011
إنتهت مهمتها بعد إحتفالها بإنفصال جنوب السودان عن شماله ..
– البعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفور UNAMID في الفترة من عام 2007 إلى 2020 ..
وهي بعثة فاشلة لم تحقق نجاحاً يذكر في معظم المهام التي اُوكلت إليها ..
– بعثة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي UNISFA ومراقبة الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق
بدأت مهمتها عام 2011 وما تزال تعمل لكن الأوضاع تتعقد بمرور الوقت والسنين ..
– بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الإنتقالية في السودان UNITAMS في الفترة من 2020 – 2023
ساهمت وبشكل مباشر في إشعال نار أكبر حرب في تاريخ البلاد ..
هذا هي محصلة البلاد من الأمم المتحدة (او بالأحرى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) ..
لكن .. لماذا كانت كل تجاربنا مع الأمم المتحدة سيئة؟
واحد .. لأننا شعب متنافر لا يتوفر فيه الحد الأدنى من الإنسجام والتجانس ، ولا توحدنا رؤية ، وليس لنا كأمة هدف مشترك نتفق عليه ونسعى لإنجازه ..
إثنان .. نحن شرسون في تعاملنا مع بعضنا وتنخرنا العنصرية والبغضاء .. لكننا طيبون او بسطاء وربما ساذجون في تعاملنا مع الغرباء بجميع أجناسهم وإختلاف بلدانهم .. المجاورون لنا والبعيدون .. وهذا من أسباب إستغلالنا وهدر مواردنا ..
ثلاثة .. تنظر إلينا كثير من الدول والحكومات وبعض الشعوب (خاصة العربية) بدونية واستخفاف بسبب إفقار حكوماتنا لنا وحاجتنا للتَغرُب والعمل لدفع الفاقة والعوَز وسد الحاجة ..
أربعة .. إداراتنا الأهلية بدل أن تكون مستودعاً للحكمة والبصيرة وملاذاً للناس في وقت الحاجة والشدة ، إتضح أن من بين أعضاءها من يُباع ويُشترى في النخاسة بأبخس اُجرة وبخساسة .. فهؤلاء – للأسف – مُنتج ردئ لمجتمع الحكمة فيه قليلة ، والحلول الوسطى تعتبر فيه هزيمة ، والرجالة هي سمة المعاملة الغالبة ، والنار – كما تقول الأحاجي القديمة – يُطفأها شجعان القوم بقلوبهم! أي نار؟ وأي شجاعة؟ الحرب دوننا الآن والجنجويد أمامنا!!
خمسة .. ليس بالضرورة أن تمنح الدرجات العلمية العالية أصحابها المهارات اللازمة للتعامل مع تحديات الحياة والحكم والإدارة والتخطيط الواعي للمستقبل ..
ستة .. الدمار الذي أحدثته الطائفية في البلاد والأذى الذي سببته للعباد أمر على درجة عالية من الأهمية ويحتاج للتدقيق والبحث لأن حركة التحرر الوطني تم لجمها وبشكل كبير من قبل الطائفية التي تآمرت مع العسكر وتحالفت معه في عدة مناسبات .. كما وقزّمت البلاد ورهنتها لقوىً خارجية .. وبسبب بلادتها وعمالتها إنتهى مارد أفريقيا الغني بثرواته والضارب في عمق الحضارة والتاريخ إلى ما نحن فيه الآن من مهانة وذُل ..
سبعة .. أهمية إجتماع الحكماء – إن وُجدوا – وعلماء الحكم والإدارة والقانون وشؤون الدولة لوضع تصور واقعي وعملي للبناء الجديد .. (الأطباء والزراعيين والمهندسين ومن على شاكلتهم من أهل التخصص لا يدخلون هنا) ..
كما وهناك مسائل مهمة جديرة بالبحث في أي بناء جديد للوطن ..
المسألة الأولى .. إمكانية الإستفادة من نموذج الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الشكل والعمق والمضمون في بناء ولايات سودانية متحدة ..
الثانية .. أهمية البحث عن رجل وطني غيور ، قوي وثوري ، تتجمع فيه الصفات الحقيقة للقائد .. شاب ومفوّه ، واعي ورزين ، راسخ ووقور ، الحكمة غايته والحنكة اُسلوبه والعدالة رايته ، شخصيته عميقة وبسيطة سهلة المضمون سهلة التواصل ، يلهم الشعب بكلماته وأفعاله وسلوكه ، مختصر وحاذق ، صادق وأمين وعفيف ، صاحب قرار ودهاء ، عقله متيقظ وذكي ، يعشق الوطن ويتنفسه ، ركنه شديد وشكيمته قوية وعزيمته ماضية وجانبه محترم ، يحسن الإختيار ويتخذ القرار ، فيه رهبة ويكسوه ورع ، قلبه حانٍ ، مهموم بالضعفاء ، مهتم بالوطن ، ينام به ويستيقظ عليه ، لا يعرف الراحة ولا يطلب الإجازة ولا يرضى الدنيئة .. مكان شعبه عالٍ عنده .. ومكانه عالٍ عند شعبه .. يحبهم ويحبونه ..
الثالثة .. أن يُحرك هذا القائد الهمة ويشحذ الشعب ويدفعه بقوة لتبدأ مرحلة الإلتزام نحو الوطن والعمل المثابر الجاد لأجله ..
الرابعة .. أن يكون هدف البناء الجديد إقتصادي بالدرجة الأولى يرمي إلى إخراج ما في باطن الأرض وظاهرها من ثروات وإمكانات لمصلحة البلاد لتكون أكبر قوة إقتصادية في القارة الأفريقية في اُفق زمني لا يتجاوز الثلاثين عاماً .. والأهم من ذلك هو إنتشال الساكنة من حالة الفقر والحاجة إلى حالة الإكتفاء فى أسرع وقت ممكن ، ووفقاً لمدى زمني محدد ..
الخامسة .. بحث إمكانية إنفتاح السودان على أفريقيا بشكل أكبر وتركيز التوجه عليها مع الإحتفاء بهوية البلاد الأفريقية وتقديمها على هويتها العربية ..
السادسة .. نسج التحالفات الدولية بذكاء ودهاء وعمق .. لأننا نعيش في عالم ينتظر الكارثة وطامّتة قريبة ، عالم لا رحمة فيه ولا شفقة ، الضعيف فيه يُسحق ويُداس ويُهدر ، ولغة الحوار هي القوة .. امّا البسطاء والدهماء فيصدقون روايات الخيال عن حقوق الإنسان والتنمية المستدامة للدول الفقيرة ومثل هذه الأهازيج الكاذبة ..
السابعة .. توظيف مناهج التعليم لتُركز على المهارات واستيعاب التقنيات والتشجيع على الإبتكارات وتدريب المبدعين من الشباب السودانيين والشابات لإيجاد حلول لمشاكل الوطن والمواطنين .. من المهم أن يتصدى شبابنا لحاضرنا ومستقبل اُمتنا وأن نثق في قدراتهم لنصير شعباً محترماً وأمة متطلعة ..
هذا ولك الشكر على ما خطّه قلمك السيّال من أفكار أستاذنا فوزي بشرى .. وعلى تفضلك بقراءة هذه الملاحظات التي ربما تحتاج لبعض التفصيل والتشذيب او الإيضاح والإصلاح ..
أنت البادئ وصاحب الفضل ..
لك الود ..