منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*مخرجات اجتماع الفيدرالي الأميركي (17 سبتمبر 2025) وانعكاساتها على الاقتصاد السوداني*    بقلم/ زهير عبدالله مساعد

0

*مخرجات اجتماع الفيدرالي الأميركي (17 سبتمبر 2025) وانعكاساتها على الاقتصاد السوداني*

 

بقلم/ زهير عبدالله مساعد

زهير عبد الله مساعد

 

عن منبر الخبراء العرب

 

خلال الأيام الماضية، كانت الأسواق العالمية تراقب وتنتظر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يوم 17 سبتمبر 2025 وسط حالة من الحذر، بعد أن أصبحت السياسة النقدية الأميركية عنصرًا مؤثرًا يتجاوز الاقتصاد المحلي إلى التأثير على الاقتصاد العالمي برمته. انتهى الاجتماع بخفض محدود للفائدة بمقدار 0.25%، لكن اللافت أن تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول جاءت ذات طابع سياسي أكثر من اقتصادي؛ إذ تعمد إرسال رسائل حذرة وغير واضحة، مستفيدًا من الظروف السياسية الداخلية والخارجية لإبقاء الأسواق في حالة ترقب وضغط متواصل.
هذا المسار يوضح أن السياسة أصبحت تتحكم في الاقتصاد العالمي، وأن الفيدرالي يوظف أدواته النقدية كجزء من إدارة التوازنات السياسية، في وقت تتزامن فيه هذه السياسة مع قرارات أخرى مثل الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، والتي ساهمت في جعل الاقتصاد الأميركي أداة ضغط على بقية العالم.

أولًا: مخرجات الاجتماع
1. خفض الفائدة 0.25%: خطوة محدودة تؤكد رغبة الفيدرالي في تخفيف الأعباء داخليًا دون إضعاف كبير للدولار.
2. لهجة باول الحذرة لم يُعطِ إشارات صريحة حول دورة خفض متواصلة، مما يعكس مقاربة سياسية أكثر من كونها اقتصادية.
3. تفاعل الأسواق:
• الذهب قفز إلى مستويات قياسية (≈ 3700 دولار/أونصة) ثم تراجع نسبيًا.
• الدولار شهد هبوطًا أوليًا ثم ارتدادًا، لينهي التعاملات في حالة تقلب بدل اتجاه واضح.
ثانيًا: الطابع السياسي للقرار
الخطوة جاءت موجهة بالأساس إلى الوضع الداخلي الأميركي، حيث سعى الفيدرالي إلى طمأنة المواطن الأميركي وتعزيز الثقة في أسواق العمل والنمو الاقتصادي، في إطار حسابات انتخابية وسياسية. فالقرارات لم تكن اقتصادية بحتة، بل اتخذت بُعدًا سياسيًا يراعي حاجة الإدارة الأميركية إلى إظهار قدرتها على حماية الوظائف ودعم النمو قبل الاستحقاقات القادمة.

على الصعيد الخارجي، جاءت الرسالة واضحة، فالإبقاء على الأسواق الناشئة، ومنها اقتصادات إفريقيا، في حالة ترقب وضغط مستمر يعكس أن السياسة النقدية الأميركية لم تعد مجرد أداة داخلية، بل ورقة ضغط عالمية. كما أن الذهب والدولار تحولا إلى سلاح سياسي بيد الفيدرالي، حيث يجري توظيفهما بوعي جيوسياسي لمنع خصوم واشنطن، مثل الصين وروسيا، من الاستفادة الكاملة من ضعف الدولار أو من تقلبات أسعار الذهب، وهو ما يجعل القرارات الاقتصادية في جوهرها انعكاسًا لحسابات سياسية أوسع.
ثالثًا: الانعكاسات على الاقتصاد السوداني
انعكاس ارتفاع السعر العالمي للذهب كفرصة نادرة أمام السودان لزيادة الإيرادات وتعويض جزء من فاقد القطاعات الأخرى، إلا أن هذه الفرصة لم تُستثمر بالصورة المثلى بسبب محدودية السياسات الاقتصادية وغياب آليات السيطرة على التهريب. أما على صعيد سعر الصرف، فلم ينعكس خفض الفائدة الأميركية إيجابًا على الجنيه السوداني، إذ ظل مستقراً عند حدود 3580 مقابل الدولار الواحد، ظل الوضع علي ماهو عليه بعد اجتماع الفيدرالي وذلك لتأثير قوة العوامل الداخلية التي تتحكم في السوق.( فالسوق الموازي وتهريب النقد الأجنبي وضعف التحويلات الرسمية ) استمرت كعوائق رئيسية تمنع أي تحسن حقيقي في قيمة العملة الوطنية.

مخرجات الفيدرالي الأخيرة لم تكن اقتصادية بحتة، بل سياسية بالدرجة الأولى، وهو ما جعل الأسواق الناشئة في موقع المتأثر لا المستفيد. لقد استغل باول الظروف السياسية داخليًا لتعزيز الثقة في الاقتصاد الأميركي قبل الاستحقاقات الانتخابية، وفي الوقت نفسه أبقى الأسواق العالمية في حالة قلق تمنح واشنطن أفضلية تنافسية. ومع تزامن هذه السياسة لقرارات ترامب الجمركية التي ما زالت تلقي بظلالها على التجارة الدولية، أصبح الاقتصاد الأميركي يستخدم السياسة النقدية والجمركية معًا كسلاح مزدوج للتأثير على بقية الاقتصادات

مركز الخبراء العرب

مخرجات اجتماع الفيدرالي الأميركي (17 سبتمبر 2025) وانعكاساتها على الاقتصاد السوداني .. بقلم/ زهير عبدالله مساعد
سوداني أصيل
مقالات الرأي
0
سبتمبر 18, 2025
3 د للقراءة
الرئيسية مخرجات اجتماع الفيدرالي الأميركي (17 سبتمبر 2025) وانعكاساتها على الاقتصاد السوداني .. بقلم/ زهير عبدالله مساعد
خلال الأيام الماضية، كانت الأسواق العالمية تراقب وتنتظر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يوم 17 سبتمبر 2025 وسط حالة من الحذر، بعد أن أصبحت السياسة النقدية الأميركية عنصرًا مؤثرًا يتجاوز الاقتصاد المحلي إلى التأثير على الاقتصاد العالمي برمته. انتهى الاجتماع بخفض محدود للفائدة بمقدار 0.25%، لكن اللافت أن تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول جاءت ذات طابع سياسي أكثر من اقتصادي؛ إذ تعمد إرسال رسائل حذرة وغير واضحة، مستفيدًا من الظروف السياسية الداخلية والخارجية لإبقاء الأسواق في حالة ترقب وضغط متواصل.
هذا المسار يوضح أن السياسة أصبحت تتحكم في الاقتصاد العالمي، وأن الفيدرالي يوظف أدواته النقدية كجزء من إدارة التوازنات السياسية، في وقت تتزامن فيه هذه السياسة مع قرارات أخرى مثل الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، والتي ساهمت في جعل الاقتصاد الأميركي أداة ضغط على بقية العالم.

أولًا: مخرجات الاجتماع
1. خفض الفائدة 0.25%: خطوة محدودة تؤكد رغبة الفيدرالي في تخفيف الأعباء داخليًا دون إضعاف كبير للدولار.
2. لهجة باول الحذرة لم يُعطِ إشارات صريحة حول دورة خفض متواصلة، مما يعكس مقاربة سياسية أكثر من كونها اقتصادية.
3. تفاعل الأسواق:
• الذهب قفز إلى مستويات قياسية (≈ 3700 دولار/أونصة) ثم تراجع نسبيًا.
• الدولار شهد هبوطًا أوليًا ثم ارتدادًا، لينهي التعاملات في حالة تقلب بدل اتجاه واضح.
ثانيًا: الطابع السياسي للقرار
الخطوة جاءت موجهة بالأساس إلى الوضع الداخلي الأميركي، حيث سعى الفيدرالي إلى طمأنة المواطن الأميركي وتعزيز الثقة في أسواق العمل والنمو الاقتصادي، في إطار حسابات انتخابية وسياسية. فالقرارات لم تكن اقتصادية بحتة، بل اتخذت بُعدًا سياسيًا يراعي حاجة الإدارة الأميركية إلى إظهار قدرتها على حماية الوظائف ودعم النمو قبل الاستحقاقات القادمة.
على الصعيد الخارجي، جاءت الرسالة واضحة، فالإبقاء على الأسواق الناشئة، ومنها اقتصادات إفريقيا، في حالة ترقب وضغط مستمر يعكس أن السياسة النقدية الأميركية لم تعد مجرد أداة داخلية، بل ورقة ضغط عالمية. كما أن الذهب والدولار تحولا إلى سلاح سياسي بيد الفيدرالي، حيث يجري توظيفهما بوعي جيوسياسي لمنع خصوم واشنطن، مثل الصين وروسيا، من الاستفادة الكاملة من ضعف الدولار أو من تقلبات أسعار الذهب، وهو ما يجعل القرارات الاقتصادية في جوهرها انعكاسًا لحسابات سياسية أوسع.
ثالثًا: الانعكاسات على الاقتصاد السوداني
انعكاس ارتفاع السعر العالمي للذهب كفرصة نادرة أمام السودان لزيادة الإيرادات وتعويض جزء من فاقد القطاعات الأخرى، إلا أن هذه الفرصة لم تُستثمر بالصورة المثلى بسبب محدودية السياسات الاقتصادية وغياب آليات السيطرة على التهريب. أما على صعيد سعر الصرف، فلم ينعكس خفض الفائدة الأميركية إيجابًا على الجنيه السوداني، إذ ظل مستقراً عند حدود 3580 مقابل الدولار الواحد، ظل الوضع علي ماهو عليه بعد اجتماع الفيدرالي وذلك لتأثير قوة العوامل الداخلية التي تتحكم في السوق.( فالسوق الموازي وتهريب النقد الأجنبي وضعف التحويلات الرسمية ) استمرت كعوائق رئيسية تمنع أي تحسن حقيقي في قيمة العملة الوطنية.

مخرجات الفيدرالي الأخيرة لم تكن اقتصادية بحتة، بل سياسية بالدرجة الأولى، وهو ما جعل الأسواق الناشئة في موقع المتأثر لا المستفيد. لقد استغل باول الظروف السياسية داخليًا لتعزيز الثقة في الاقتصاد الأميركي قبل الاستحقاقات الانتخابية، وفي الوقت نفسه أبقى الأسواق العالمية في حالة قلق تمنح واشنطن أفضلية تنافسية. ومع تزامن هذه السياسة لقرارات ترامب الجمركية التي ما زالت تلقي بظلالها على التجارة الدولية، أصبح الاقتصاد الأميركي يستخدم السياسة النقدية والجمركية معًا كسلاح مزدوج للتأثير على بقية الاقتصادات.

أما في السودان، فقد تداخلت ظروف الحرب الداخلية مع الضغوط الاقتصادية العالمية، لتجعل الاستفادة من ارتفاع أسعار الذهب محدودة. فعلى الرغم من أن الذهب يمكن أن يوفر العملات الصعبة اللازمة لتمويل القطاعات الإنتاجية، لم يُستغل بالشكل الكافي لدعم الإنتاج الزراعي. على سبيل المثال، كان بالإمكان استخدام العوائد في:
1. توفير مدخلات الإنتاج الزراعي مثل الأسمدة والبذور والآليات الزراعية التي تأثرت بالحرب.
2. إعادة تأهيل شبكات الري والقنوات المائية لضمان توزيع المياه بشكل فعال على المشاريع الزراعية.
3. دعم المشاريع الزراعية المشتركة مع شركات صينية وغيرها لتطوير الإنتاج وزيادة القدرة التصديرية للسلع الأساسية.
4. تمويل صيانة المعدات والآليات الضرورية لاستمرارية الإنتاج الزراعي وحماية الأمن الغذائي، مما يقلل الاعتماد على الواردات الأساسية مثل القمح.

الواقع أن هذه الإمكانيات لم تُستثمر بالكامل، ما ساهم في استمرار العجز التجاري الكبير واستنزاف الاحتياطيات، بينما ظل المواطن يعاني من ارتفاع أسعار السلع الأساسية. الواقع يكشف أن البلاد استوردت قمحًا بنحو 789.5 مليون دولار خلال النصف الأول من 2025، فيما بلغ العجز التجاري حوالي 1.29 مليار دولار، وهو ما يبرهن على أن المكاسب الضائعة من الذهب لم تُترجم إلى تخفيف الضغوط المعيشية. النتيجة أن المواطن السوداني ظل أسيرًا للتدهور المستمر في أسعار السلع الأساسية.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.