د. صلاح البندر يكتب *(الحرب) كما يراها بوب وودورد* *كتاب يفضح الحكام و الحكومات العربية*
د. صلاح البندر يكتب
*(الحرب) كما يراها بوب وودورد*
*كتاب يفضح الحكام و الحكومات العربية*
أنهيت للمرة الثانية قراءة كتاب “*الحرب*” للصحفي الاستقصائي الأمريكي *بوب وودورد*؛ سبق أن اطلعت على هذا الكتاب لكن كانت قراءة مستعجلة؛ هذه المرة قرأته بتأن كبير.. من يطالع الكتاب والمحادثات التي أوردها بين وزير الخارجية الأمريكي “بلينكين” وبين عدد من القادة العرب سيُصدم حين يكتشف أن موقف دول مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية لم يكن الصمت أو الخذلان لأهل غزة؛ كما ساد الاعتقاد من قبل؛ لأن ما أورده الكتاب من تفاصيل يقول بأن هذه الدول بأنظمة الحكم فيها، *مشاركة في إبادة الفلسطينيين، تماما مثل إسرائيل*؛ فالصحفي المخضرم، الذي تخطى عمره الثمانين عاماً، واشتهر بأنه مُفجر أكبر فضيحة رئاسية في تاريخ أمريكا وهي (فضيحة ووتر جيت) التي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي السابق “ريتشارد نيكسون” من منصبه، الصحفي الذي عُرف بأنه أحد أكثر الصحفيين المحترمين في التاريخ الأمريكي وله مؤلفات وثائقية عديدة، احتوى كتابه “*الحرب*” على تفريغ لمئات الساعات من المحادثات السرية التي أجراها “وودورد” مع عدد كبير من المسؤولين في البيت الأبيض، والتي تكشف تورط قادة عرب في دعم الاحتلال الإسرائيلي بالحرب الدائرة على غزة عقب السابع من أكتوبر 2023.
ويندهش المتابع، من اتفاق القادة العرب على ضرورة حرب حماس والقضاء عليها، مع عدم اكتراثهم مطلقاً بأي حجم للدماء التي تسيل من الفلسطينيين.
البداية .. مع *إسرائيل* أولى محطات بلينكن في زياراته للشرق الأوسط والتي أوردها الكتاب؛ جاءت صباح يوم الخميس 12 أكتوب 2023، حيث هبطت طائرة بلينكن في “إسرائيل”، وذهب مباشرة للقاء نتنياهو في الغرفة الخاصة بالحرب، قال نتنياهو: *نحن بحاجة إلى ثلاثة أشياء: الذخيرة، والذخيرة، والذخيرة*. فرد بلينكن: “نحن نقف معكم، نحن نقف معكم، نحن نقف معكم”. وحينما سأل بلينكن عن وضع المدنيين في غزة؟ كان رد نتنياهو من دون تفكير قائلاً: “سندفعهم جميعًا إلى خارج غزة نحو مصر”، حينها تفاجأ بلينكن وقال لـ نتنياهو دعني أتحدث أولا مع قادة العالم العربي وبعدها أعود إليكم.
لم يكمل بلينكن ليلته في تل أبيب، وسافر إلى *الأردن*، وفي صباح اليوم التالي 13 أكتوبر 2023، التقى بالملك الأردني عبد الله الثاني، والذي قال لبلينكن صراحة: حذرنا إسرائيل من حماس، حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل أن تهزم حماس، لكني لا استطيع قول ذلك علنًا.
لم يمر بضع ساعات، على لقاء الملك الأردني، حتى سافر بلينكن إلى *الدوحة* للقاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، فقال الأمير لبلينكن، “إن قادة حماس في الدوحة لم يعرفوا أي شيء مسبقًا عن هجمات 7 أكتوبر”، وأضاف الأمير، “من الممكن أن يكون السنوار قد فعل ذلك بمفرده”. قال بلينكن للأمير: “نحن نقدر أهمية وجود قناة مفتوحة للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن، ولكن عندما ينتهي هذا الأمر، لا يمكن أن يستمر الوضع كالمعتاد مع المكتب السياسي لحماس”، (فكان ذلك طلب أمريكي صريح من قطر بالتخلي عن قادة حماس وإخراجهم من أراضيها) كما أورد الصحفي في كتابه، أن بلينكن كان منبهرًا من القطريين، فقد وضعوا الأساس لصفقة الرهائن بعد 6 أيام فقط من الحرب، وكان لديهم حلولاً واضحة للوضع في غزة؛ مع دعمهم المطلق لطرد حماس بعد الحرب ! يقول الكتاب، أن بلينكن استقل طائرته، وفي طريقه للسعودية، هبط في *البحرين*، وهناك التقى بالملك “حمد بن عيسى آل خليفة”، وقد سمع منه الكلام نفسه الذي سمعه في الأردن، حيث طالب ملك البحرين أيضاً بالقضاء على حماس. لم يقض بلينكن ليلته في البحرين، بل سافر هو وفريقه إلى *السعودية*، فكانت تلك هي الدولة الرابعة التي يزورونها، وفي صباح اليوم التالي 14 أكتوبر، التقى بلينكن بوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود فقال فيصل بن فرحان ل لينكن: *كان على إسرائيل أن لا تأمن لحماس، وقد حذرنا نتنياهو من ذلك مرارًا، فحماس هي جماعة الإخوان المسلمين*. ثم واصل وزير الخارجية السعودي قوله: “الجماعات الإرهابية لا تحاول القضاء على إسرائيل فقط، بل تريد الإطاحة بزعماء عرب آخرين، ونحن قلقون من تداعيات ما تقوم به إسرائيل في غزة على أمننا جميعًا، وما سيأتي بعد حماس قد يكون أسوأ، فداعش جاءت بعد القاعدة وهي أسوأ منها”. فسأل بلينكن عن دعم السعودية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، فأجاب وزير الخارجية: “لن ندفع دولارًا واحدًا لتنظيف فوضى نتنياهو”.
يقول الكتاب: بعد لقاء وزير الخارجية السعودية، طار بلينكن إلى أبو ظبي للقاء رئيس *الإمارات* “محمد بن زايد”، والذي كان الأشد تطرفاً بين كل القادة العرب الذين قابلهم، حيث أصر على عدم إيقاف الحرب حتى استئصال حماس في غزة. وقال لـ بلينكن: “يجب القضاء على حماس، لقد حذرنا إسرائيل مرارًاً من أن حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، يمكننا أن نمنح إسرائيل المساحة والوقت للقضاء على حماس، لكن يجب على إسرائيل أن تساعدنا أيضًا من خلال السماح بدخول المساعدات الإنسانية حتى لا نستثير الشعوب العربية. أما المحطة الأخيرة لـ بلينكن قبل عودته لـ إسرائيل كانت *مصر* حيث دور النظام المصري الذي استهان به بلينكن، فأخره لنهاية الرحلة، فكان الأشد حقارة على الإطلاق. حيث يقول الكتاب: أن رئيس الانقلاب المصري “عبد الفتاح السيسي” طالب بلينكن بمطلبين اثنين: وهما، *أولاً:* الحفاظ على اتفاقية السلام مع “إسرائيل” التي تم التوقيع عليها عام 1979،
*وثانياً:* إقناع إسرائيل بعدم تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. ثم اقترح السيسي على بلينكن أن يلتقي بوزير الخارجية المصري “سامح شكري” ورئيس المخابرات “عباس كامل”. ويقول “وودورد” أنه في هذا اللقاء، قدم “عباس كامل” لبلينكن وفريقه معلومات وخرائط جمعتها المخابرات المصرية عن أنفاق غزة، وطلب منه أن يوجه النصح إلى نتنياهو قائلاً: “إن حماس متجذرة بعمق في غزة ومن الصعب هزيمتهم، لذا يجب على إسرائيل أن لا تدخل غزة بريًا دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها يقطعوا رقابهم”، حينها أدرك بلينكن وفريقه مدى صدق النظام المصري في رغبته القضاء على حماس، وبالفعل نقل معلومات أنفاق غزة ورسالة كامل إلى نتنياهو.
أخيرًا هبطت طائرة بلينكن مرة أخرى في *تل أبيب* صباح يوم 16 أكتوبر واجتمع الوزير مع نتنياهو وعدد قليل من المسؤولين الإسرائيليين، قال لهم بلينكن: “نحتاج منكم السماح بدخول المساعدات الإنسانية”، فانفجر نتنياهو رافضًا الفكرة تمامًا، وقال: “الشعب الإسرائيلي لن يتسامح مع تقديم مساعدات لهؤلاء النازيين”. حاول بلينكن تغيير رأي الإسرائيليين، وقال لهم: “منذ الجولة الأخيرة لي بالمنطقة، التقيت بأصدقائكم وبأشخاص ليسوا أصدقاء، لكنهم ليسوا أعداء لكم، والشيء الوحيد الذي سمعته منهم مرارًا وتكرارًا هو *أنهم يدعمون ما تقومون به*، لكنهم لا يستطيعون قول ذلك علنًا”، وأضاف بلينكن مستشهدًا بكلمات رئيس الإمارات محمد بن زايد: *كما قال لي أحد أصدقائكم، إسرائيل تحتاج أن تمنحنا مساحة أمام شعوبنا*.