محمد التجاني عمر قش يكتب : *هنا أم درمان….هنا وطني العزيز!*
محمد التجاني عمر قش يكتب :
*هنا أم درمان….هنا وطني العزيز!*
أنا أم درمان انا السودان
أنا الولدونى بالتهليل
وهلت فوقى غابه رماح
“عبد الله محمد زين”
في يوم أغر هو الثاني من رمضان لعام 1445 هجرية صدح الدكتور عمر الجزولي، حفظه الله، بعبارته التي انتشرت في كافة مواقع التواصل الاجتماعي قائلا: “بسم الله الرحمن الرحيم، هنا أم درمان، إذاعة جمهورية السودان، القوات المسلحة السودانية تسترد الآن مباني الإذاعة والتلفزيون في أم درمان بكل قوة وعزم وحسم، ألف مبروك”. قال ذلك بصوته الجهوري المبين ليزف البشرى لجماهير الشعب السودان الوفي في بقاع المعمورة، فعمت الفرحة قلوب ملايين الناس وسالت دموعهم معبرة عن فرحة غامرة بعودة هذا الصرح الإعلامي الذي يمثل رمزية خاصة؛ إذ ساهم في تشكيل الهوية السودانية، وأثرى وجدان الشعب السوداني بجميل القول واللحن، عبر البث الأثيري الذي امتد لعشرات العقود، ودخل إلى كل بيت في ربوع السودان المختلفة من شرقه لغربه وشماله وجنوبه ووسطه، بلهجة مبينة عرفت بلهجة أم درمان التي تمثل كلام السواد الأعظم من السودانيين.
واسترداد الإذاعة السودانية ليس هو مجرد استرداد لمباني أو قطعة من الأرض ضيقة المساحة كما قال بعض المرجفين في الإعلام الكذوب، بل هو حدث قومي أعاد للسودانيين الثقة في قواتهم المسلحة الباسلة سيما وأنه يشي ببشريات كثيرة قادمة منها على سبيل المثال لا الحصر تطهير هذه البقعة الوطنية من رجس التمرد ودنسه؛ ذلك لأن أم درمان هي السودان حيث تضم جنبيها على كل أطياف المجتمع السودان بعد أن صهرتهم في بوتقتها الخاصة فأخرجت منهم أهل الادب والفن، والسياسة، والرياضة، والعلم، والمال. هنا عاش الإمام المهدي، مؤسس البقعة، واتخذها السيد إسماعيل الأزهري مقراً له، وولد فيها الخليل، وتغنى سرور وعمر البنا وكرومة وإبراهيم عوض، وأنشد عبد الرحمن الريح شعره، وشدت فيها عائشة الفلاتية بأعذب الألحان، وفيها أرشد الشيخ قريب الله ود أبو صالح خلقاً كثيراً، وولد فيها الناصر قريب الله، ونشأ فيها منصور خالد، وغيرهم كثر من المبدعين والعظماء. وفي أم درمان ازدهرت الكرة السودانية ممثلة بعملاقي الرياضة الهلال والمريخ. وباختصار شديد، أم درمان هي عروس النيل ووطن النجوم الزواهر. وهي بيت المال والملازمين وود نوباوي وهي فتيح والمغالق وخور أبو عنجة والطابية المقابلة النيل والضريح الفاح ريحه عابق، ومعهد وطني العزيز وشارع الوادي والثورة بالنص والشنقيطي وأم بدة والمسالمة، وحي العرب، والموردة، والعباسية.
هذه المدينة تغنى بها الشعراء فهي مسرح الغزلان والدور البزيد بلدي وعيون أمدر لبيت المال. ألم يقل عبد المنعم عبد الحي:
أنا أم درمان مضى أمسي بنحسي
غدا وفتاي يحطم قيد حبسي
واخرج للملأ في ثوب عرسي
وابسم بعدما قد طال عبسي
ولعل استرداد مبنى الإذاعة والتلفزيون يكون بمثابة عيد ليس لأهل أم درمان فحسب، بل لكل السودانيين، فقد حطم جيشنا الباسل قوات المليشيا الباغية وكسر شوكتها وشتتها حتى تفرقت هاربة كالحمر المستنفرة فرت من قسورة، فولوا مدبرين تاركين سياراتهم وقتلاهم وجرحاهم وسلاحهم وعتادهم لا يلوون على شيء بعد أن قذف الله في قلوبهم الرعب ورأوا الموت يأتيهم من فوقهم ومن كل حدب وصوب من الجو والبر والبحر فحصدتهم نيران قواتنا الباسلة فباتوا كالرميم حتى عافتهم الكلاب والنسور بعد ان تفحمت أجسادهم. إن معركة الإذاعة لهي ملحمة وطنية لا تقل عن معركة الميل الأربعين فقد تكبد العدو أعداداً مهولة في الأرواح والعتاد.
جيشنا الليلة من الإذاعة رافعو تمامو
شوف فلول الجنجا رواين عردت قدامو
فرسان عزة جابوا النصر باعلامو
والقحاتي يبكي شافها خابت أحلامو
لقد اثبتت هذه المعركة جدارة قواتنا المسلحة وحسن تخطيطها وتماسكها وقدرتها في إدارة المعارك والعمليات العسكرية المعقدة التي سوف يسجلها التاريخ. وبعد هذه المعركة حامية الوطيس نتوقع أن تتوالى انتصارات الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى ولمجاهدين من المستنفرين الأشاوس حتى يتطهر كامل التراب السوداني من الخونة والمرتزقة والعملاء بكل أشكالهم وألوانهم.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فأود تذكير قيادة الجيش بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة احد، والمسلمون يومئذ يعانون من جراحهم ويبكون شهداءهم، ولكن في تلك الظروف الصعبة قال لهم رسولهم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة” فخرجوا ولم يتخلف منهم أحد طاعة لأمر الله ورسوله، فكتب لهم النصر على تلك الفئة الخائنة من يهود المدينة. ومن هنا نود من سعادة القائد العام ومساعديه التوجه نحو قلب الجزيرة وأرض المحنة مدني السني؛ لأن سقوطها قد كان طعنة نجلاء في خاصرة الأمة السودانية، ولن ترضى تلك الأمة ويهدأ لها بال؛ حتى تلقن الخونة والمارقين درساً قاسياً لن ينسوه كما فعلت يوم أمس في معركة الإذاعة.
المليشيا الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة في كل مسارح العلميات من أم صميمة غرباً وحتى الكدرو، ولا نملك إلا أن نرفع القبعات لكل أفراد القوات المسلحة وضباطها وقوات العمل الخاص، وأخوتنا المستنفرين والقوات النظامية الأخرى الذين خاضوا معركة الكرامة بكل قوة واقتدار، وضحوا بأرواحهم رخيصة في سبيل الوطن والعقيدة، ونسال الله المغفرة والرحمة والقبول للشهداء، وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين ولا نامت أعين الجبناء. ولله در أخينا علي الكرار هاشم الذي قال:
لله الحمد رجعت هنا أم درمان
يا دار الإذاعة وصرة السودان
فالك للوطن ينعم سلام وأمان
وننهض شامخين ولعدونا موت وهوان
وبما أن الإذاعة والتلفزيون الآن في قبضة قواتنا المسلحة، نرجو من أخوتنا المختصين في مجال الإعلام انتهاز هذه الفرصة لرفع الروح المعنوية وبث الطمأنينة في نفوس هذا الشعب الذي أخذ على حين غرة وأخرج من دياره وشرد في بقاع الأرض وتعرض لأسوأ أنواع الذل على يد المليشيا وأعوانها من قحت وبعض دول العمالة والاستكبار. ونهنئ شبعنا الأبي على ما تحقق من انتصارات باهرة في هذا الشهر الفضيل، والله أكبر، والعزة للسودان وأهله.