*حرمان الفائزين من تسلّم الجائزة* ✍️ بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب
*حرمان الفائزين من تسلّم الجائزة*
✍️ بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب
تشهد المنصات الدولية هذه الأيام سباقاً لافتاً نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث تتصدر بريطانيا وفرنسا ودول غربية أخرى المشهد، مُعلنةً أخيراً إقرارها بحق الشعب الفلسطيني في الحياة وإقامة دولته المستقلة. ورغم ما تحمله هذه الخطوات من رمزية إيجابية، فإنها تأتي متأخرة ثمانين عاماً منذ أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (181) عام 1947، القاضي بالتقسيم، والذي منح الغزاة وطناً على حساب أصحاب الأرض الشرعيين.
طوال هذه العقود، لم تكن سياسات تلك الدول سوى دعماً مطلقاً لإسرائيل بالمال والسلاح، وتهيئة المنظمات الدولية لخدمتها، حتى ضمنت تفوقها واستمرار احتلالها في انحياز مذهل للباطل. واليوم، بينما تتسابق هذه الدول إلى المنصات الدولية للحديث عن حل الدولتين ووقف الحرب، يتعمدون تغييب المنتصرين الحقيقيين في معركة الكرامة والحرية، وهم الشعب الفلسطيني كله، وبخاصة أهل غزة ورجال المقاومة الذين قدّموا دماءهم فداءً للأرض والحقوق.
لقد احترق شعب غزة صابراً صامداً، ورفض الاستسلام أو التهجير، ووقف مع مقاومته الباسلة في أروع صور التضحية ونكران الذات. ومع ذلك، يرى اليوم آخرين يتسلمون جائزة النصر، بينما يُصوَّر القادة العظام – من الشيخ أحمد ياسين، إلى الرنتيسي، ويحيى عياش، وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وأبو عبيدة، وغيرهم – كإرهابيين ومجرمين، لا كأبطال دافعوا عن حق شعبهم في الحرية.
لقد غيّر رجال المقاومة المعادلة القديمة، وأوقفوا زحف الاحتلال، وأجبروا العالم على مواجهة الحقيقة والخروج إلى الشوارع نصرةً لفلسطين. فأصبحت القضية الفلسطينية اليوم بوصلة أخلاقية للعالم، تحدد موقع كل دولة وكل إنسان: إما مع الحق أو في صف الباطل.
لكن الاعترافات الرمزية بالدولة الفلسطينية تظل بلا قيمة إن لم تُترجم إلى خطوات عملية تُجبر إسرائيل على وقف القتل، وإنهاء الاحتلال، ورد الحقوق كاملة إلى أصحابها. فما قيمة هذه الاعترافات إذا كانت الولايات المتحدة ما تزال تتحكم في النظام العالمي وتمنع الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في الحياة؟
إن طريق التحرير قد رُسم بدماء الشهداء، وصمود غزة ومقاومتها أصبحا نبراساً للحرية في العالم. والعدالة الحقيقية لن تتحقق إلا حين يُكرَّم الفائزون الحقيقيون – الشعب الفلسطيني ومقاومته – لا حين يُحرمون من تسلم جائزة نضالهم، بينما يتصدر المشهد من تأخر ثمانين عاماً ليعترف بما هو بديهي من الحقوق.
لقد لبّى العالم نداء الحرية لفلسطين، إلا أن أكثر العرب والمسلمين ما زالوا مترددين، وكأنهم لم يدركوا بعد أن موازين القوى قد تبدلت، وأن وعد الله بالحق قد اقترب، و﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.