محمد التجاني عمر قش يكتب: *بيع البصل بما حصل!*
محمد التجاني عمر قش يكتب:
*بيع البصل بما حصل!*
البصل من المنتجات الزراعية سهلة الإنتاج، وهو من المكونات الغذائية التي لا يمكن الاستغناء عنها في كافة الثقافات الغذائية لشعوب العالم! وهنالك أمثال شعبية كثيرة ترتبط بالبصل منها على سبيل المثال لا الحصر “بيع البصل بما حصل” وهو يضرب لنصح الشخص بالتخلص من السلعة التي لا تدوم طويلاً وهي في ذات الوقت متذبذبة الأسعار. وعندنا في شمال كردفان مثل يقول: “ما قلتوا بارا ما فيها بصل” وهو يضرب للشخص الذي تعلمه التجربة المريرة؛ لأن بصل منقطة بارا يتميز بطعمه اللاسع قليلاً لأنه منتج عضوي! وهنالك مثل يقول “البصلة المعفنة بتخرب الشوال” ويضرب لصاحب السلوك السيء الذي ربما يفسد مجموعة كبيرة من الناس. ونحن اليوم نضيف إلى هذه المجموعة مثلاً آخر يقول” اشتري البصل بما حصل” ذلك لأن أسعار البصل في منطقة الخليج قد بلغت حداً غير مسبوق، ويقال إن السبب هو الحرب التي تدور رحاها في السودان الآن حسب بعض المصادر والتقارير عالية المصداقية. فكيف تسببت هذه الحرب اللعينة في ارتفاع أسعار البصل يا ترى؟
ومن المعلوم أن البصل يزرع في كافة أنحاء العالم وبكميات كبيرة قد تغطي الاستهلاك المحلي للدول المنتجة ويصدر الباقي إلى الخارج. ومن دول المنطقة التي اشتهرت مؤخراً بإنتاج البصل اليمن السعيد ولديهم أفضل بذور معروفة في السوق من إنتاج شركة بافطيم. وفي السودان ينتج البصل في كسلا وحلفا الجديدة ونهر النيل ومنطقة الخيران في شمال كردفان والمنطقة الأشهر على الإطلاق في إنتاج البصل هي قرية القريقريب في الجزيرة علاوة على مناطق أخرى كثيرة تنتج البصل في وطننا الحبيب مثل دارفور والشمالية!
لكن أين يذهب كل هذا الإنتاج الوطني الوفير من البصل الذي يكاد يكون عضوياً بدرجة كبيرة ويمتاز بجودة عالية تجعله مؤهلاً للمنافسة في السوق العالمية مع منتجاتنا الزراعية والحيوانية والغابية الأخرى التي لا نستفيد منها في الدخل القومي مطلقاً. والسودان يصدر البصل بطريقة شبه عشوائية إلى معظم دول الجوار الإفريقي خاصة جنوب السودان وأرتيريا وربما الحبشة أيضاً. ومن نافلة القول إن إنتاج البصل في السودان، كغيره من المنتجات الزراعية، تكتنفه مشكلات كثيرة تتعلق بالتخزين والنقل، والتعبئة، والتسويق داخلياً وخارجياً؛ ولذلك لا يستفيد منه المنتج ولا التاجر ولا الخزينة العامة بالشكل المطلوب، بينما تذهب الفائدة والعائد من منتجاتنا لبعض الشطار من جيراننا!
وكيف أثرت الحرب الدائرة الآن في السودان على أسعار البصل في دول الخليج حيث أصبح الشخص يتفاخر بأنه اشترى كمية من البصل بسعر معقول؟ لقد كشفت بعض التقارير المعتمدة بأن بعض التجار من دول الجوار يشترون البصل من السودان بأرخص الأثمان، وربما بعملة سودانية مزورة ثم ينقلونه إلى أرض الكنانة وهناك تعاد تعبئته ويصدر لدول الخليج وأروبا على أنه منتج مصري ويباع بالعملة الصعبة! ولكن حالت ظروف الحرب دون دخول الشاحنات المصرية إلى السودان وبالتالي أنقطع الإمداد شبه المجاني وارتفعت أسعار البصل حتى صار المثل يقول: “اشتري البصل بما حصل” لأنك ربما لا تجده مرة أخرى.
ومن جانب آخر أثرت الحرب على زراعة البصل في كثير من مناطق السودان إما بسبب اضطراب الأحوال الأمنية مثلما هو الحال في الجزيرة أو لعدم توفر الوقود؛ وخاصة الديزل في مناطق أخرى من البلاد. و لكن هل البصل وحده هو ما يهرب من السودان؟ وناهيك عن البصل، فمن يستفيد من ذهب السودان، ومعادن السودان، والثروة الحيوانية والصمغ العربي والسمسم، وهلا علمنا فعلاً أن المنتج السائب يعلم السرقة؟ وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، فهل سوف نتعلم من هذا الوضع الماثل، أو هل سوف تنتبه الجهات المعنية في السودان لأهمية البصل وتضع خططاً لتسويقه وجعله منتجاً استراتيجياً للتصدير، أم أننا سنظل نردد “بيع البصل بما حصل”.
٥/٣/٢٠٢٤