عبد الله اسماعيل يكتب : *السودان بين فوضى المليشيات ومأزق السياسة: هل تُكتب الصفحة الأخيرة؟*
عبد الله اسماعيل يكتب :
*السودان بين فوضى المليشيات ومأزق السياسة: هل تُكتب الصفحة الأخيرة؟*
التاريخ لا يُعيد نفسه، لكنه يسخر ممّن لا يقرأونه. *والسودان اليوم يقف على حافة هاوية جديدة، تُذكّرنا بما حدث في ليبيا عندما طمعت المليشيات في الدولة، وسوريا عندما انقسمت الأرض بين أمراء الحرب، واليمن حين تحوّل الصراع إلى متاهة لا مخرج منها.* الفرق الوحيد أن السودان، رغم كل هذه العواصف، *ما زال واقفًا تحت ظلال تماسك القوات المسلحة.* لكنه وقوف مُترنّح، أشبه برجل تلقى طعنة في الظهر، ثم استدار ليواجه قاتله بلا سلاح.
*حكومة آل دقلو.. المؤامرة تقترب من لحظة الإعلان*
بين أروقة كينيا، وفي كواليس لا تخفى على أحد، يجري التحضير لإعلان حكومة مليشيا الدعم السريع، خطوة تمثل ذروة المشروع التفكيكي الذي يقوده آل دقلو ومن يدعمونهم إقليمياً ودولياً. *هذه الحكومة ليست مجرد إعلان سياسي، بل ستكون البداية الرسمية لمحاولة فرض واقع جديد*: تقسيم السودان إلى كيانات متصارعة، كل منها تحت هيمنة قوة إقليمية أو دولية مختلفة.
*ما يجري الآن ليس مجرد صراع داخلي،* بل إعادة تشكيل لخارطة السودان على أسس تخدم أجندات خارجية، تُنفذ بأيادٍ سودانية مأجورة. هذا المشروع يقوم على احتراب داخلي يستنزف الجميع، ثم فرض أمر واقع جديد يُدعم من أطراف تبحث عن نفوذ، وأخرى تريد إعادة رسم الخرائط كما فعلت في أماكن أخرى.
*المتواطئون والمخدوعون.. من يقامر بالسودان؟*
في السياسة، ليس كل خطأ جريمة، لكن بعض الأخطاء تصبح خطايا لا تُغتفر. قوى الحرية والتغيير، التي رفعت شعارات الثورة والديمقراطية، تحالفت مع مليشيا آل دقلو، متوهمة أنها يمكن أن تستخدمها كأداة سياسية. *أرادت تفكيك الجيش لصالح فوضى السلاح، لكنها اكتشفت متأخرة أن السلاح حين يتمرد، لا يعترف بأحد.*
بدلت قوى الحرية والتغيير جلدها بـ *“تقدم”،* وواصلت في تحالفها مع آل دقلو طمعًا في انتصارهم على الجيش الوطني وتمكينهم من حكم البلاد، لكن أحلامهم اصطدمت بحقيقة مطامع *”حميدتي”* في الانفراد بالسلطة. وهنا نشأ الخلاف بين الجسد الواحد وانقسم على نفسه: بعضهم اختار الالتحاق بمليشيا الدعم السريع ليكون جزءًا من مشروع حكومة التفتيت والتقسيم، في حين اختار آخرون الانحياز للوطن. هؤلاء الذين عادوا إلى الصف الوطني، ينبغي أن يُفتح لهم الباب ليسهموا في معركة وحدة السودان، *لأن البلاد تحتاج إلى كل يد تبني، وليس إلى مزيد من الأحقاد والقطيعة.*
*ما بعد إعلان الحكومة.. سيناريوهات المرحلة القادمة*
إعلان حكومة آل دقلو لن يكون مجرد حدث سياسي، بل نقطة تحول ستفتح الباب لعدة احتمالات خطيرة، منها:
1. *الاعتراف الدولي المحدود: قد تحاول بعض الدول دعم هذه الحكومة تحت غطاء “التفاوض” و”التسوية”، مما يمنحها شرعية زائفة، كما حدث مع حكومات انفصالية أخرى في إفريقيا.*
2. تسارع التقسيم الداخلي: بمجرد إعلان الحكومة، قد نشهد موجات جديدة من احتدام الصراعات بين القوى المحلية في دارفور مما يزيد حجم معاناة المواطنين.
3. تدويل الأزمة السودانية: بمجرد دخول حكومة آل دقلو إلى المشهد، ستتسع رقعة التدخلات الدولية، وستصبح السودان ساحة لصراعات القوى الكبرى كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن.
4. استفزاز الجيش والشارع السوداني: إعلان هذه الحكومة قد يكون الشرارة التي تدفع الجيش السوداني إلى تصعيد عملياته العسكرية بشكل حاسم لإنهاء وجود الدعم السريع في دارفور، كما أنه سيؤجج غضب الشارع السوداني الذي يرفض أي محاولة لتمزيق البلاد.
*ما الحل؟ الطريق إلى الخلاص*
ليس المطلوب مجرد هزيمة المليشيا عسكريًا، بل *اجتثاث التربة* التي نبتت فيها. *السودان يحتاج إلى مشروع سياسي جديد، لا يكون امتدادًا لصراعات الماضي، ولا لعبة في يد أمراء الحرب. مشروع يعيد تعريف السياسة على أسس وطنية، لا على توازنات هشّة تنهار عند أول اختبار.*
*كيف يواجه السودان هذا المخطط؟*
• تعزيز التحالف بين القوى الوطنية: يجب أن يكون واضحًا أن المعركة لم تعد بين الجيش والمليشيا فقط، بل بين مشروع الدولة ومشروع التقسيم. لذا، فإن القوى السياسية التي *عادت إلى الصف الوطني يجب أن يتم استيعابها ضمن جبهة موحدة لإنقاذ السودان.*
• تحركات دبلوماسية سريعة: على السودان تكثيف جهوده الدبلوماسية لقطع الطريق أمام أي اعتراف دولي بهذه الحكومة، وفضح مشروعها الانفصالي في المحافل الدولية.
• حسم عسكري دون تردد: إعلان هذه الحكومة يعني أن الدعم السريع لم يعد مجرد مليشيا متمردة، بل سلطة أمر واقع تحاول فرض نفسها. وهذا يستدعي استراتيجية عسكرية أكثر حسماً لإنهاء التهديد قبل أن يتمدد.
*السودان بين وهم الحكم ومعركة الوجود*
*الحرب ليست مجرد معركة بين طرفين، بل هي لحظة تُحدد مستقبل أمة. والسودان اليوم لا يخوض *حرب سلطة،* بل *حرب بقاء.* إذا انتصرت المليشيا، فلن يكون هناك سودان واحد، بل دويلات ممزقة. *وإذا انهارت الدولة، فلن يكون هناك مكان للسياسيين الذين يخططون اليوم للمناصب،* لأن البلاد كلها ستكون غنيمة مقسّمة بين الطامعين.
*السودان اليوم أمام خيارين:* إما أن يكتب التاريخ صفحة جديدة تُحكى للأجيال القادمة، عن كيف نهض هذا الوطن من قلب الخراب، أو يصبح درسًا يُدرَّس عن كيف تمزقت الأمم حين خانتها نخبها.
*الوقت لم ينفد بعد، لكنه يوشك على ذلك. فمن ينهض لإنقاذ السودان، قبل أن يصبح الحداد هو من يكتب الصفحة الأخيرة؟*
*عبدالله اسماعيل*
11فبراير2025