د.إسماعيل الحكيم يكتب.. *قرار الرسوم الأمريكية عاصفة اقتصادية تهز الأسواق العالمية وتعيد تشكيل الخريطة التجارية ..
د.إسماعيل الحكيم يكتب..
*قرار الرسوم الأمريكية عاصفة اقتصادية تهز الأسواق العالمية وتعيد تشكيل الخريطة التجارية ..
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا وأعادت إلى الأذهان ملامح الحروب التجارية التي كادت تعصف بالاقتصاد العالمي قبل أعوام، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فرض رسوم جمركية جديدة على عدد من السلع المستوردة، مستهدفة قطاعات استراتيجية في الاقتصاد العالمي، لا سيما القادمة من الصين وبعض الدول الصناعية الصاعدة. هذا القرار، الذي تبرره الإدارة الأمريكية بحماية الإنتاج المحلي وتقليص العجز التجاري، لم يكن مجرد إجراء اقتصادي عابر، بل يمثل بداية موجة من التوترات الاقتصادية المتدحرجة، التي تنذر بإعادة تشكيل خارطة التجارة العالمية.
الصين.. اللاعب الأهم في ساحة الرفض والمواجهة
كما كان متوقعًا، جاء الرد الصيني حازمًا، بلغة لا تخلو من التحدي والمواجهة. فقد رفضت بكين القرار الأمريكي واعتبرته خرقًا واضحًا لمبادئ منظمة التجارة العالمية وتصعيدًا لا مبرر له في العلاقات الاقتصادية بين القوتين الأكبر في العالم. وبدأت الصين فورًا باتخاذ إجراءات مضادة شملت فرض رسوم على سلع أمريكية، بالإضافة إلى البحث الجدي عن بدائل استراتيجية للشراكات التجارية، وفتح قنوات مع دول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.
أما المواقف الدولية.. بين الحسابات السياسية والمصالح الاقتصادية حيث بدا المجتمع الدولي منقسمًا بين مؤيد متحفّظ يشارك واشنطن قلقها من المنافسة غير المتكافئة، ورافض صريح يخشى أن يؤدي القرار الأمريكي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع في أسعار المواد الأساسية. فبعض الدول الأوروبية أبدت تفهمًا جزئيًا للقرار، بينما دعت معظم دول العالم إلى تغليب لغة الحوار والتفاوض بدلًا من التصعيد الجمركي.
أما العالم العربي والإسلامي، فرغم أنه ليس في قلب المعركة التجارية الحالية، إلا أن تأثيرات القرار الأمريكي لن تقف عند حدود واشنطن وبكين. إذ يُتوقّع أن ترتفع أسعار السلع المستوردة في الأسواق العالمية، لا سيما المنتجات التكنولوجية والمعادن ومكونات التصنيع، ما سيؤثر سلبًا على الدول النامية التي تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها الصناعية والغذائية.
كما أن انكماش حركة التجارة الدولية سيؤدي إلى تباطؤ في تدفق الاستثمارات الأجنبية، ويضع مزيدًا من الضغط على الاقتصادات الهشة في الشرق الأوسط وأفريقيا. ولا يستبعد أن تستغل بعض القوى الكبرى هذا الاضطراب لتعزيز نفوذها في العالم الإسلامي، من خلال تقديم بدائل تجارية ميسّرة، وهو ما يستدعي من الدول الإسلامية إعادة النظر في استراتيجياتها الاقتصادية، وتعزيز التكامل الإقليمي لمواجهة العواصف القادمة.
إن القرار الأمريكي الأخير ليس مجرد أداة حمائية اقتصادية، بل هو مؤشر على مرحلة جديدة من الصراع الاقتصادي العالمي، حيث تتشابك فيه السياسة بالمال، وتتداخل فيه المصالح القومية مع الأسواق المفتوحة. وفي ظل هذا المشهد المضطرب، فإن التكتلات الاقتصادية الإقليمية، والتعاون بين دول الجنوب، وتمتين العلاقات بين دول العالم العربي والإسلامي، قد تكون السلاح الأنجع لمواجهة هذه الموجة العاتية من السياسات الحمائية والعقوبات التجارية.
*_Elhakeem.1973@gmail.com_*