منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*إقرارات الذمة.. بين الورق والضمير..*  بقلم د. إسماعيل الحكيم

0

*إقرارات الذمة.. بين الورق والضمير..*

 

بقلم د. إسماعيل الحكيم

 

_Elhakeem.1973@gmail.com_

حينما أعلنت حكومة الأمل إلزام التنفيذيين بتقديم إقرارات الذمة المالية، بدا المشهد وكأنه خطوة إلى الأمام في طريق الشفافية النزاهة . خطوة تُسجَّل في دفتر النوايا الحسنة وتُقرأ في خطاب الإصلاح الإداري والمالي باعتبارها مؤشرًا على جدية الدولة في مكافحة الفساد وحماية المال العام.
غير أن السؤال العالق في ضمير المجتمع يظل أكبر من أي ورقة تُوقّع أو إقرار يُودَع في ملف. أين الضمير الحي؟ وأين تلك الرقابة التي لا تسقط بالتقادم، ولا تُخدع بالتوقيع، ولا تُؤرشَف في خزائن مغلقة؟ أين الشفافية الإلهية التي تجعل الإنسان يستحي أن يمد يده إلى ما ليس له، لأنه يعلم أن الله يراه قبل أن يراه الموظف أو المراجع أو القاضي؟
لقد جُرِّبت القوانين، وكُتبت اللوائح، وتوالت المبادرات، لكن العبرة كانت وما زالت بيقظة الضمائر وإنتباهة القلوب. فكم من ورقة وُقعت، وكم من عهد قُطع، ومع ذلك تسللت الأيادي إلى المال العام، وتحوّل حق الأمة إلى غنيمة تُقتسم لأن الرادع كان قانونًا بلا روح، وإقرارًا بلا خشية.
إننا بحاجة إلى نموذج مختلف، إلى عُمَرِيّة جديدة في الإدارة والسياسة والاقتصاد. ذاك النموذج الذي يربط العدل بالله، ويستمد النزاهة من رهبة الموقف بين يديه، ويستحضر الرقابة الإلهية قبل أن يُفكر في الرقابة المؤسسية. فالنزاهة ليست ورقة تُسلَّم، بل موقف داخلي وشهادة صامتة يقدمها القلب أمام ربه قبل أن يقدمها الموظف أمام رئيسه.
إن حكومة الأمل تستطيع أن تُسنّ ما تشاء من القوانين والإفرارات وتفرض ما تشاء من الإجراءات، ولكنها لن تبلغ مرادها إلا إذا أيقظت الضمائر، وربّت النفوس على مخافة الله، وأقامت في الوعي العام أن المال العام أمانة ومسؤولية، وأن التفريط فيه خيانة، وأن العين التي ترفعه حرامًا إلى الفم قد خانت الله قبل أن تخون الشعب.
فما أكثر الأوراق التي تُوقّع، وما أقل الضمائر التي تستيقظ. وما أحوجنا اليوم إلى أن نوقن أن نظر الله إلينا أسبق من كل نظر، وأن حسابه أدق من كل محاسبة، وأن الشفافية الحقّة تبدأ من القلب، قبل أن تُكتب في إقرار.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.